ولا نستبعد رؤية النبي ربه في الدنيا، والله سبحانه وتعالى، قادر على أن يخلق فيه ما يجعله قادرا على تحمّل هذه الرؤية، ولكن نحتاج إلى دليل صحيح صريح، يثبت الرؤية ويقوى على معارضة حديث الباب الصحيح الصريح.
[الفائدة الثانية:]
رؤية الله عز وجل في الآخرة، ثابتة في الكتاب والسنة، ولا ينكرها إلا مبتدع، أما في الكتاب، ففي قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: ١٠٣] فنفي الأعلى يدل على إثبات الأدنى، فالآية بنفيها إدراك الله عز وجل، فقد أثبتت الرؤية؛ لأنها دون الإدراك، ولو أن الرؤية محالة في الآخرة، لنفاها الله عز وجل، ودخل الإدراك في النفي من باب أولى لأنه أعظم من الرؤية.
ومن أدلة القرآن أيضا قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: ٢٢- ٢٣] ، وقوله تعالى موبخا الكافرين: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: ١٥] ، ولو حجب المؤمنون أيضا عن رؤية ربهم، لاشتراك المؤمنون والكافرون في هذا التوبيخ.
ومن أدلة السنة، ما رواه البخاري عن جرير بن عبد الله قال: كنّا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة- يعني البدر- فقال:«إنّكم سترون ربّكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون في رؤيته؛ فإن استطعتم ألاتغلبوا على صلاة قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها فافعلوا ثمّ قرأ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق: ٣٩] »«١» .
[الفائدة الثالثة:]
تعظيم عائشة رضي الله عنها لحرمات الله؛ لأنها لما سمعت ما تعتقد أنه ينافي تنزيه الرب تبارك وتعالى، قالت في رواية في الصحيح:(لقد قفّ شعري) ، وقالت في الرواية التي معنا (لقد أعظم على الله الفرية) ، أي أنها اتهمته بأعظم القبائح وما ذلك إلا لتعظيمها ربّها.
[الفائدة الرابعة:]
حرص عائشة رضي الله عنها، على تعلم العلم والسؤال عما يستشكل عليها، وأنها تسبق الأمة في السؤال، لقولها:(أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، كما أن من فقهها أيضا استدلالها على عدم الرؤية بقول الله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: ٥١] ، فرأت أن الآية عامة في كل أحد، فلا يمكن إثبات الرؤية في الدنيا
(١) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب: فضل صلاة العصر، برقم (٥٥٤) .