رائحة زكية عطرة تعجب الناس فلا يتقززون منهم، وكم تمكث هذه الرائحة الزكية، ثم ما تلبث أن تذهب وتخرج الرائحة الكريهة إذا لم يتدارك الإنسان نفسه، فضلا عن اضطراره إلى الاغتسال صباحا ومساء ليحافظ على رائحته الجميلة، ولكن الله، سبحانه وتعالى، قد كفى نبيه صلى الله عليه وسلم مؤونة ذلك، فما كان يزيده العرق إلا جمالا في الوجه وطيبا في الرائحة، إذن ما احتاج النبي صلى الله عليه وسلم أبدا أن يغتسل ليذهب أثر العرق، كما يفعل بقية الخلق، ولا نعلم أحدا يشابهه في ذلك إلا أهل الجنة الذين سلموا من كل سوء ومكروه، حيث ورد عند البخاري من حديث أبي هريرة عن بعض صفات أهل الجنة:«ورشحهم المسك»«١» . فسبحان الله العظيم، الذي جمع لنبيه صلى الله عليه وسلم، حسن الخلق والخلقة، وجمال الباطن والظاهر.
٣- لين كفه صلى الله عليه وسلم، لقول أنس: ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والديباج نوع من أنواع الحرير) ، قال ابن حجر في الفتح: لا تعارض بين هذا الحديث وما رواه أنس أنه كان ضخم اليدين والقدمين وأنه كان شئن الكفين والقدمين أي غليظهما في خشونة، والجمع بينهما، أن المراد اللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن وقوته أو حيث وصف باللين واللطافة حيث لا يعمل بهما شيئا كان بالنسبة إلى أصل الخلقة وحيث وصف بالغلظ والخشونة فهو بالنسبة إلى امتهانها بالعمل. انتهى كلامه رحمه الله.
وأعتقد أن من ضمن ما حبا الله كف نبيه صلى الله عليه وسلم بما يلائم ليونته، ويزيد الكف جمالا على جماله، أن جعل الله سبحانه وتعالى هذا الكف أبرد من الثلج، فقد روى البخاري:«عن أنس رضي الله عنه قال: ولا مسست خزة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب رائحة من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم» فاليد أطيب من المسك والجلد ألين من الحرير والملمس أبرد من الثلج، فهل بقي بعد ذلك شيء.
وهذا أيضا من أنواع الكمال والجمال البشري الذي حبا الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، فلو اقتصر الأمر على ليونة ونعومة اليد لكان نقصا في الكمال، ولو اقتصر على الغلظ في العظام لكان نقصا في الجمال، وفيه أيضا إظهار لكمال قدرة الله في الخلق، إذ خلق الأشياء في أحسن صورة وأجملها مع مناسبتها تماما لما خلقت من أجله، وهذا يتحقق في خلقه الناس على تفاوت.
[الفائدة الثانية:]
كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم في عيون الصحابة رضي الله عنهم: ما كانوا
(١) رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة، برقم (٣٢٤٦) .