للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، بل سب وشتم وطعن في الأعراض وهتك للحرمات هزلا وجدّا، أيّ ابتعاد هذا عن القرآن والسنة، بل عن المروءة والنخوة، ونزعم مع هذا أننا نتبع الكتاب والسنة، فهذا قول عائشة رضي الله عنها حجة علينا، أفلا نتوب إلى الله ونستغفره، ونعود إلى أحسن الأقوال والأفعال، لا فرق في ذلك بين رجل أو امرأة، وصغير وكبير، فالحياء كله خير ولا يأتي إلا بخير، فليقل عليك الناس أنك متخلف، وأنك لا تفهم في الدنيا شيئا، بل حتى لو شبهوك بالنساء في حيائك، وأي فضل لك أعظم من ذلك، أن يشبهوك بما شبّه به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري، عن أبي سعيد الخدريّ قال: (كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم أشدّ حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه) «١» . هذه ليست سبّة بل مدحة ما بعدها مدحة، فإذا وصفوك بذلك فاعلم أنك بالأثر مقتف وبالسنة محتف.

وانظر إلى ما قالته عائشة في نفس الحديث تخبرنا بما دار بينها وبين أمها، تستعلم منها حديث الإفك فقالت: (فقلت لأمي ما يتحدث به الناس) «٢» ، لم ترو لنا ما قالته لأمها على سبيل التفصيل، لأنه كلام لا داعي للتلفظ به بل يلمحون به فقط، وفي ذلك غناية عن التصريح، فكان كل كلامهم بحساب، تعلموا ذلك من النبي، روى البخاري عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» ، فأدبه جعله لم يعد الجملة الأخيرة فقال: «فهجرته إلى ما هاجر إليه» «٣» وعف لسانه عن ذكر المرأة والدنيا، خاصة أنها هجرة لا يحبها الله- عز وجل-.

[الدرس الرابع: جواز أن تأخذ المرأة شيئا من زينتها في السفر]

، ولو كان غزوة، لأن عائشة رضي الله عنها وضعت عقدا في صدرها، ولكن لا يراه الناس، لقوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها [النور: ٣١] ، وفيه المحافظة على المال وصيانته وعدم إضاعته وبذل الجهد في ذلك، لقول عائشة رضي الله عنها: (فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه) . مع أن العقد لم يكن من ذهب ولا فضة، وقد يؤخذ من ذلك حرمة تضييع المال بغير طائل، وصرفه


(١) البخاري، كتاب: الأدب، باب: من لم يواجه الناس بالعتاب، برقم: (٦١٠٢) ، مسلم، كتاب: الفضائل، باب: كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم، برقم: (٢٣٢٠) .
(٢) ويحتمل أيضا أن تكون «ما» استفهامية، ويكون المراد أنها سألتها قائلة: بماذا يتحدث الناس؟
(٣) البخاري، كتاب: الإيمان، باب: ما جاء إن الأعمال بالنية ... ، برقم: (٥٤) ، مسلم، كتاب: الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنية ... » ، برقم (١٩٠٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>