للإسلام، وكيف كان حالهم هم، أشد حالات الزهد والإعراض وعدم المبالاة والاكتراث لما يسمعونه، وهي معان يدل عليها جميعا قوله تعالى-: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) ، ويدل على حالة النبي صلى الله عليه وسلّم وهو يدعوهم قوله- تعالى-: فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وصدق من قال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)[الأنبياء: ١٠٧] .
[الفائدة الثانية:]
عدم استحياء الله- تبارك وتعالى- من الحق، حيث عاتب أحب الخلق إليه صلى الله عليه وسلّم.
[الفائدة الثالثة:]
حبّ الله- تبارك وتعالى- إظهار الحق للناس وتعليمه لهم، فلم يكتف بتوجيه العتاب للنبي صلى الله عليه وسلّم سرّا أو إلهاما أو مناما، ولكن أنزل قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، وأظهر في هذا القرآن الحقّ الذي لم يتضرر منه صاحبه، فالأعمى لا يتضرر إذا عبس أحد في وجهه.
[الفائدة الرابعة:]
غنى الله- سبحانه وتعالى- عن إيمان الناس ولو كانوا سادة في أقوامهم، أغنياء في أموالهم، وأن من أعرض عن الله أعرض الله عنه ولم يبال به، ويتبين ذلك من قوله تعالى: وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) ، وفي عتاب النبي صلى الله عليه وسلّم بسبب انشغاله بالكافر عن المسلم.
[الفائدة الخامسة:]
ميزان الشرع في التفاضل بين الناس هو تقوى الله وإقبالهم عليه، وحرصهم على الخير ولو كانوا أشد الناس فقرا.
[الفائدة السادسة:]
تزكية ابن أم مكتوم رضي الله عنه أبلغ التزكية ووجه ذلك:
أ- ذكره بصفته في القرآن الكريم، ولا يعلم في ذلك خلاف أنه هو المقصود من الآية.
ب- عناية الله- سبحانه وتعالى- به وبأمثاله من الفقراء- إذ عاتب نبيه صلى الله عليه وسلّم فيه.
ج- بيان حرصه على ما ينفعه؛ إذ جاء النبيّ صلى الله عليه وسلّم سعيا مع أنه ضرير، في حالة كونه يخشى، قال القرطبي- رحمه الله- في تفسير كلمة يَخْشى أي يخاف الله. وأظن أن هذا تفسير ببعض ما يحتمله اللفظ، أما جمال اللفظ فهو أن نفسره بكل ما يحتمله، خاصة أن الله سبحانه وتعالى- لم يقيده بمعنى دون معنى، فنقول: إنه- رضي الله عنه- كان يخشى الله ويخشى الطريق، ويخشى فوات المصلحة بعدم وجود النبي صلى الله عليه وسلّم، ويخشى أن يجبيبه النبي صلى الله عليه وسلّم بما لا يستطيع فعله. وإثبات كل هذه المعاني أبلغ في تزكية ابن أم مكتوم رضي الله عنه، وتصوّر حاله أثناء مجيئه، وأوجه في توجيه العتاب للنبي صلى الله عليه وسلّم.