للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- لما كان توجيه العتاب قد يفهم منه وقوع النبي في التقصير في الدعوة إلى الله- سبحانه وتعالى-، بيّن- سبحانه وتعالى- أن هذا العتاب نتج بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلّم حّمل نفسه ما لم يكلف شرعا وهو التصدي للكافر، قال- تعالى-: وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) ، فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلّم الأمر السهل، وهو إجابة سؤال المسلم، وتعرض للصعب، وهو دعوة الكافر للإسلام.

ج- إرادة التهوين على النبي صلى الله عليه وسلّم وتسليته ورفع ما يشق عليه، فبين الله عزّ وجلّ له أنه رسول ومبلغ، وليس عليه هداية الناس، إنما هذا لله وحده، قال تعالى: وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) .

٢- ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلّم من اجتهاد في تعليم الأمة حيث كان يقصده كل أحد من الناس- حتى الضرير الذي يشق عليه ذلك- ليسأله عن حاجته.

٣- صحة وقوع الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلّم، فيما لا وحي فيه- وأن الله عزّ وجلّ لا يقره على اجتهاد صدر منه إلى خلاف الأولى، وموضع الاجتهاد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلّم رأى أن الاسترسال مع الكافر ومحاولة هدايته إلى الإسلام أولى من إجابة سؤال المسلم الحريص على أمر دينه، فالمسلم الذي جاء بمحض إرادته يسأل لا يخشى عليه الفتنة، فالأمر بالنسبة إليه فيه سعة.

قال الإمام القرطبي- رحمه الله-: (قال علماؤنا: ما فعله ابن أم مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالما بأن النبي صلى الله عليه وسلّم مشغول بغيره، وأنه يرجو إسلامهم، ولكن الله- تبارك وتعالى- عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصّفّة) «١» .

٤- بيان أن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يكتم شيئا من أمر الوحي أبدا، وأنه قد أدى أمانة تحمّل القرآن وتبليغه أحسن ما يكون، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلّم كتم شيئا من الوحي أو كان يسعه أن يكتم شيئا، لكتم آيات العتاب.

٥- بذل النبي صلى الله عليه وسلّم غاية جهده لنشر دين الله عزّ وجلّ والدعوة إلى الإسلام، واستنقاذ البشر من الكفر والضلال، ولو تعرض في سبيل ذلك لأبلغ الأذى المادي والمعنوي، المادي: كما حدث له صلى الله عليه وسلّم في الطائف، أما المعنوي: لما عرض نفسه صلى الله عليه وسلّم على القبائل، وفي الحادثة التي معنا التي تثبت أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يتصدى للكفار، وقيل: معنى يتصدى أي:

يتعرض لهم كما يتعرض العطشان للماء، وانظر كيف كان حاله صلى الله عليه وسلّم وهو يدعوهم


(١) انظر الجامع لأحكام القرآن (١٩/ ٢١٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>