للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفائدة الثانية عشرة:]

في قوله: «لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط» ، وانظر إلى مقابلة إحسان الدهر، بقولها: «ما رأيت منك خيرا قط» .

وإذا كان هذا الوعيد للزوجة التي تجحد فضل زوجها، وهو بشر مثلها، ولم يكن هذا المعروف من محض فضله، كما أنها ولا شك أسدت إليه في مقابل هذا المعروف معروفا، ولو قليلا، فما بالكم بالذي يجحد فضل الله عز وجل عليه، وفضله هو أصل كل فضل، يصل إلى العبد قديما وحديثا، فضله الذي لا ينقطع، بل هو مع الإنسان من يوم أن كان نطفة في رحم أمه، إلى أن تفيض روحه إلى بارئها، بل إن فضله عليه من قبل ذلك وبعده، وهو فضل لا يقابله فضل من العبد. أظن أن من يجحد فضل الله عليه أن عذابه سيكون أشد وأشد، مقارنة بعذاب من جحدت فضل زوجها فحذار أن يجحد المسلم فضل ربه، وألا يقرّ به آناء الليل وآناء النهار، وألا يقابله بالشكر والعمل الصالح، حتى وإن تعرض لبعض المحن والابتلاآت، والمجال لا يتسع أن نذكر طرفا من أفضال الله المتتابعة وآلائه المتوالية ورحماته المتعاقبة استدلالا على ما ذكر، ولكن يكفي أن نتذكر قوله تعالى: وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: ٣٤] .

[الفائدة الثالثة عشرة:]

قوله: «ورأيت أكثر أهلها النساء» ولم يقل: (ورأيت النساء أهلها) ، وهذا هو المشاهد لأن بعض النساء مهما رأين من أزواجهن لا يجحدون فضلهم ومعروفهم.

[الفائدة الرابعة عشرة:]

وهي في كيفية شد انتباه السامعين: حيث قال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن سبب أن أكثر أهل النار من النساء «يكفرن» وسكت ولم يبين أي أنواع الكفر يقصد، حتى يسترعي انتباه الجميع، ويجعلهم يخافون من كلمة (يكفرن) حتى ظنوا أنهن يكفرن بالله، فيأتي بعد ذلك البيان من الرسول صلى الله عليه وسلم بالمقصود من قوله «يكفرن» على قلوب وعقول قد سألت عن المقصود، وقد شدّ انتباهها.

[الفائدة الخامسة عشرة:]

ما كان عليه الصحابة من فقه وأدب، أما الفقه، فقد علموا أن هناك سببا ظاهرا لكون أكثر أهل النار من النساء، فقالوا: (بم يا رسول الله) ، وأما أدبهم فيتضح من صيغة السؤال عن علة الحكم، فلم يكن سؤال المتشكك أو المعترض أو الطاعن في حكمة الله، بل كان سؤال من يريد التعلم فقالوا: «بم يا رسول الله» ، فالذي يقر أنه رسول الله، ويناديه بصفته في السؤال، يوحي بإيمانه بالحكم وتسليمه له، وعدم اعتراضه، وأنه يريد معرفة العلة، حتى لا يقع فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>