للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهما ذلك لاسترضاء النبي صلى الله عليه وسلّم، وحرصهما على إظهار حبهما له، وأن يتشرف كل منهما بإدخال الفرحة والسرور على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

٧- أدبهما في حضرة النبي صلى الله عليه وسلّم حيث لم يتجادلا أمامه فيمن أعجل أبا جهل بالضرب، واكتفى كل واحد منهما بقوله: (أنا قتلته) . حتى بعد أن حكم النبي صلى الله عليه وسلّم بالسلب لمعاذ بن عمرو بن الجموح، لم يعقب على الحكم معاذ بن عفراء، مع صغر سنه، وحرصه على قتل أبي جهل أو الموت دونه، ولكن الرضى بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

[الفائدة الثالثة:]

معرفة الهمّ الذي كان يشغل أولاد الصحابة، حديثي الأسنان رضي الله عنهم، والوقوف على أولوياتهم في التفكير، فقد علمنا من الحديث أن همهم الأكبر وأولى أولوياتهم، قتل من ينتهك حرمات الله- سبحانه وتعالى-، وحريّ بنا هنا أن نذكّر بحكمتهما وسعة أفقهما، حيث إن الغلامين قد وقفا عن يمين ويسار عبد الرحمن بن عوف، قال رضي الله عنه: (فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار) ، والحكمة من الوقوف على هذه الكيفية، أن يسمعاه جيدا، فقد راعيا أنهما من صغار السن، أجساد صغيرة وأصوات غير مسموعة، ومن حكمتهما أيضا، أنهما غمزا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قبل التحدث معه، ليلفتا انتباهه فينظر أيمن وأشأم منه.

[الفائدة الرابعة:]

استخفاف الله- سبحانه وتعالى- بأبي جهل، كما كان يستخف بالنبي صلى الله عليه وسلّم ووجه ذلك:

١- أنه سبحانه جعل موت أبي جهل على يد غلام حدث صغير السن، وليس على يد رجل فارس قوي.

٢- جعل مكان دفنه هو قليب بدر، بعد أن تعفنت جثته وجثث أقرانه.

٣- وقوف النبي صلى الله عليه وسلّم على رأسه في القليب على مرأى ومسمع من أصحابه، رضي الله عنهم، يوبخه ويوبخ من هلك معه ففي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خبر هؤلاء القتلى بعد أن ألقوا في البئر قال: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى انتهى إليهم فقال: «يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقّا؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقّا!!» قال عمر: يا رسول الله، كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟! قال: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا» «١» .


(١) مسلم، كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، برقم: (٢٨٧٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>