بأصحابه وخلق جميل ولسان طيب ووجه بشوش، فتجمع له أصحابه فأحبوه وافتدوه صلّى الله عليه وسلّم بالمال والولد والأهل أجمعين، وقد بينت طرفا من رحمته وشفقته صلّى الله عليه وسلّم بأزواجه وأصحابه وخدمه ويتامى المسلمين، مما يغني عن التفصيل هنا.
ويتفرع عليه: وجوب أن يتحلى كل راع لأمر من أمور المسلمين- وكلنا راعون- بهذه الصفات الحميدة، وأن تسبق رحمتنا غضبنا، وهي من صفات الإله الكريم المتعال، كما يتفرع عليه ذم قاسي القلب فظ اللسان سيئ الخلق، الذي يقسو أكثر مما يرحم ويغضب أكثر مما يرضى، والأدهى والأمرّ من ذلك أن يتصور أن هذه الأخلاق- الذميمة شرعا- من مستلزمات الرجولة والفحولة، والصحيح أنها من أخلاق الشيطان وأعوانه، قال الشيخ السعدي رحمه الله:(فالأخلاق الحسنة من الرئيس تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص. والأخلاق السيئة من الرئيس تنفر الناس عن الدين، وتبغّضهم إليه مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟ أليس من أوجب الواجبات وأهم المهمات الاقتداء بأخلاقه الكريمة، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلّى الله عليه وسلّم من اللين وحسن الخلق والتأليف امتثالا لأمر الله وجذبا لعباد الله لدين الله)«١» .
قلت: ليس هذا الأمر قاصرا على الرئيس في معاملة مرؤسيه، لكن هذا التوجيه الإلهي موجه إلى كل مسلم بالغ عاقل، وبقدر حب المسلم لرسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم يكون الاقتداء بأخلاقه الفاضلة وسجاياه الحميدة صلّى الله عليه وسلّم.
وعلى كل أحد من المسلمين الأخيار يرى انفضاضا عنه ومجافاة له أن يعلم أن في خلقه سوآ وفي قلبه شرورا وفي وجهه عبوسا وفي لسانه عيوبا فليستعن بالله- عز وجل- وليغير ما به.
[الفائدة الثانية:]
إرشاد العباد إلى أن الذي يرقق القلوب ويطوعها للناس ويجعلها سهلة لينة هو رب القلوب والأبدان- تبارك وتعالى-، فهذا قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم أطهر قلوب الخلق وأشرفها وأطيبها، ما كان كذلك إلا برحمة الله- عز وجل-.
ويتفرع على ذلك وجوب أن نسأل الله- عز وجل- ونتضرع إليه أن يحسّن أخلاقنا ويطهر قلوبنا ويجعلها رحيمة بعباده.