للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بعض فوائد الحديث:]

[الفائدة الأولى:]

تعظيم الصحابة رضي الله عنهم ليس لشخص النبي صلّى الله عليه وسلّم فحسب، بل امتد هذا التعظيم وانسحب إلى ما يخصه صلّى الله عليه وسلّم، ومثاله القدح الذي كان يشرب فيه صلّى الله عليه وسلّم وفي الحديث الذي في أيدينا مثال على تعظيمهم لناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد حزنوا ليس لموت الناقة أو مرضها، بل لما هو أقل من ذلك بكثير، وهو أنها قد سبقت، ورد بالحديث (فشق ذلك على المسلمين) ، ويبدو أن تلك المشقة التي لحقتهم كانت كبيرة لأنه ظهرت على ملامحهم، والنبي صلّى الله عليه وسلّم قد لحظ ذلك على وجوههم، فقد ورد في الحديث: (فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه) .

قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله- (فيه حسن خلق النبي صلّى الله عليه وسلّم وتواضعه وعظمته في صدور أصحابه) «١» .

[الفائدة الثانية:]

ملاحظته صلّى الله عليه وسلّم أحوال الصحابة حيث عرف ما حدث لهم لما سبقت العضباء، مع رحمته وشفقته بهم صلّى الله عليه وسلّم حيث خفف عنهم ما يجدونه بقوله: «حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه» .

[الفائدة الثالثة:]

أسس النبي صلّى الله عليه وسلّم قاعدة كونية عظيمة، تخفف ألم كل مكلوم وتواسي كل محزون، وتعرّف الناس بطبيعة الدنيا فلا يغترون بها ولا يعولون عليها، فأي شيء مهما علا وارتفع تكفل الله بخفضه ووضعه. ومصداق ذلك في الحديث قوله: «حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه» . وذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا الكلام في سياق الحديث عن دابته العضباء، إنما يدل على تواضعه وحرصه على تعليم أمته صلّى الله عليه وسلّم. قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: «وفيه التزهيد في الدنيا للإشارة إلى أن كل شيء منها لا يرتفع إلا اتضع وفيه حث على التواضع وفيه حسن خلق النبي صلّى الله عليه وسلّم وتواضعه» «٢» .

٩- حبهم رضي الله عنهم لما يحبه صلّى الله عليه وسلّم من أمور الدنيا

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إنّ خيّاطا دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لطعام صنعه. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: فذهبت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى ذلك الطّعام، فقرّب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبزا ومرقا فيه دبّاء «٣» وقديد، فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتتبّع الدّبّاء من حوالي القصعة. قال:


(١) انظر «فتح الباري» ، (٦/ ٧٤)
(٢) انظر المصدر السابق.
(٣) الدباء: هو القرع واليقطين.

<<  <  ج: ص:  >  >>