للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامسا: مظاهر حب الله- عزّ وجلّ- وعنايته به صلى الله عليه وسلّم

١- عموم اعتناء الله- عزّ وجلّ- به صلى الله عليه وسلّم:

قال تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ [الطور: ٤٨] .

هذه الآية من أعظم الآيات التي تدل على كمال اعتناء الله- سبحانه وتعالى- بنبيه صلى الله عليه وسلّم حيث أثبتت الآية أنه صلى الله عليه وسلّم بمرأى ومسمع من الله تعالى، في كل أحواله وتقلباته صلى الله عليه وسلّم، في أولاه وأخراه، في حياته ومماته، قبل البعثة وبعدها، في حله وترحاله، في عاداته وعباداته، بل نجزم أن هذه العناية والرعاية الإلهية قد شملته صلى الله عليه وسلّم قبل ميلاده بقرون طويلة، ألم تر كيف اختار الله له نسبه الشريف، من لدن إبراهيم عليه السلام وحتى عبد المطلب، ودليله ما رواه مسلم، عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» «١» .

وقد حكمت بأن العناية والرعاية قد شملت كل ما ذكر؛ لأن الآية لم تأت مقيدة بزمن دون زمن، ولا بحال دون حال، قال تعالى: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا، وقد أثبتّ ذلك في باب حفظه صلى الله عليه وسلّم منذ الصغر وباب ملء القلب إيمانا وحكمة، قال القرطبي رحمه الله في تفسيره للآية: (أي أنت بمرأى ومنظر منا نرى ونسمع ما تقول وتفعل، وقيل: بحيث نراك ونحفظك ونحو طك ونحرسك ونرعاك) . انتهى «٢» .

وقال ابن كثير كلاما مشابها لما ذكره القرطبي، وقال الشيخ السعدي: (أي بمرأى منا وحفظ واعتناء بأمرك) . انتهى «٣» .

ويؤخذ من الآية كمال عصمة النبي صلى الله عليه وسلّم من الناس، وتمام عصمته من الزلات والهفوات، ورفعة منزلته وعلو شأنه، في الدنيا والآخرة؛ لأن هذا مقام من رعاه الله وحفظه في كل أحواله.

٢- حفظه صلى الله عليه وسلّم في الصغر:

عن جابر بن عبد الله يحدّث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه


(١) مسلم، كتاب: الفضائل، باب: فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلّم ... ، برقم (٢٧٦) .
(٢) الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٧٨) .
(٣) تيسير الكريم الرحمن (٨١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>