للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [الأعراف: ٣٣] .

ولا يخفى على أحد أن الذي كذب على النبي صلى الله عليه وسلّم أراد- بسوء النية أو بحسن النية- أن يجعل الناس يتعبدون الله بغير ما أراد الله عزّ وجلّ وكفى بذلك شرّا وفسادا في الأرض، والذي ذكرته من مفاسد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلّم هو الحكمة الشرعية في جعل الكذب على النبي صلى الله عليه وسلّم ليس كالكذب على غيره من البشر.

٣- تغليظ عقوبة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلّم ودليله ما ورد في حديث الباب: «فليتبوأ مقعده من النار» . قال الإمام النووي- رحمه الله (قال العلماء: معناه فلينزل: وقيل:

فليتخذ منزله من النار، وقيل: إنه دعاء بلفظ الأمر، أي بوأه الله ذلك، وكذا «فليلج النار» ، وقيل: هو خبر بلفظ الأمر أي معناه: فقد استوجب ذلك فليوطّن نفسه عليه) «١» .

[لطيفة:]

لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلّم وصف العقوبة بقوله: «فليتبوأ مقعده من النار» .

أعتقد- والله أعلم- أنه لما كان أغلب الكذب مبعثه حبّ الكاذب أن يتبوأ بكذبه مقعدا بين الناس، جعل الله جزاءه مقعدا في النار، وما أعدله- سبحانه وتعالى- أن جعل الجزاء من جنس العمل.

أما عقوبة الكاذب على الرسول صلى الله عليه وسلّم في الدنيا، فقد قال الإمام النووي ما نصه: (ثم إن من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمدا في حديث واحد فسق وردّت روايته وبطل الاحتجاج بجميعها، ولو تاب وحسنت توبته، فقد قال جماعة من العلماء منهم: أحمد بن حنبل، وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وصاحب الشافعي، وأبو بكر الصير في من فقهاء أصحابنا الشافعيين وأصحاب الوجوه منهم ومتقدميهم في الأصول والفروع: لا تؤثر توبته في ذلك ولا تقبل روايته أبدا، بل يحتم جرحه دائما. وأطلق الصير في وقال: كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر، ومن ضعّفنا نقله لم نجعله قويّا بعد ذلك) «٢» .

وقد ضعف النووي رحمه الله- تعالى- هذا الرأي ولكنه برر ما ذهب إليه هؤلاء الأئمة بقوله: (ويجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظا وزجرا بليغا عن الكذب عليه صلى الله عليه وسلّم لعظم مفسدته فإنه يصير شرعا مستمرّا إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره والشهادة فإن مفسدتهما قاصرة ليست عامة) . وقد علل الإمام النووي ما ذهب إليه من تضعيف ما قاله هؤلاء العلماء بقوله: (وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ضعيف مخالف للقواعد الشرعية


(١) انظر «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٦٨) .
(٢) انظر «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٧٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>