للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفس والنفيس لله- سبحانه وتعالى- سبيلا، ولئلا يؤمن- كذبا وخداعا- أصحاب القلوب المريضة ويدخلون الإسلام؛ لأن الإسلام ينتصر دائما، ثم إن غلبة الكفار على المؤمنين يكون ذلك استدراكا لهم ومكرا من الله- عز وجل-، والحاصل أن حكمة الله قد اقتضت لتلك الأسباب، ولغيرها أن تكون المدافعة والجهاد بين المؤمنين والكافرين إلى يوم الدين، كما يدلنا الحديث على أن الأنبياء كلهم يأمرون بكل خير وينهون عن كل شر، وأول ما يدعون إليه هو توحيد الرب تبارك وتعالى قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥] .

[الفائدة الخامسة عشرة:]

في الحديث مدح ما بعده مدح لأخلاق النبي صلّى الله عليه وسلّم ولشريعته حيث أثبت أبو سفيان- وهو ما يزال كافرا- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يكذب ولا يغدر، وأنه ذو حسب ونسب، وأنه يأمر بالصلاة التي هي حق الله على العبد، ويأمر بالزكاة التي هي حق العباد، ويأمر بالصلة التي هي حق أصحاب الأرحام، وبعد أن فصل في الحقوق، جمع فأوعى، فذكر أنه يأمر بالعفاف، وهو اسم جامع، لكل محمود يجب أن يتحلى به العبد، وكل مذموم يجب أن يبتعد عنه العبد، لأنه كما قيل في تعريفه: هو الكف عن المحارم وخوارم المروءة، وقيل: هو الكف عما لم يحل، ولو رأى أبو سفيان من النبي صلّى الله عليه وسلّم ما يسيئه أو يشينه سواء في صغره أو كبره، قبل البعثة أو بعدها، لذكرها أبو سفيان رضي الله عنه، لأنه كان حريصا كل الحرص أن يشوه سمعة النبي ولو كذبا، فعلمنا من ذلك- أي في عدم ذكر أبي سفيان لأي عيب- أن الله قد عصم النبي صلّى الله عليه وسلّم في كل حياته، قبل البعثة وبعدها.

[الفائدة السادسة عشرة:]

تزكية أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وذلك لأن أبا سفيان رضي الله عنه أنكر أن يكون أحد منهم ارتد عن دينه بعد أن دخل فيه سخطة له، أي لكراهة الإسلام وعدم الرضا به، فهذا الارتداد هو الذي يقدح في الدين، أما أن يرتد أحد بغرض دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهذا بالقطع لا يقدح في الدين، بل يقدح في المرتد.

[الفائدة السابعة عشرة:]

في الحديث تنبيه إلى ما يجب على أتباع الرسل فعله مع الرسل أصحاب الفضل والخير، علمنا ذلك من قول هرقل: (ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه) .

فقد تمنى أن يكون عنده ليغسل قدميه أي يكون له خادما، قال الإمام ابن حجر رحمه الله:

(وفي اقتصاره على ذكر غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه- إذا وصل إليه سالما- لا ولاية ولا منصبا، وإنما يطلب ما تحصل له به البركة) «١» ، وأقول لهرقل وأمثاله: قد


(١) مسلم، كتاب: الإمارة، باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، برقم (١٨٩٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>