الغزوة هي لله وبأمر الله وهي تجري على أعين الله، وأن الله يريد أن ينصر فيها محمدا صلى الله عليه وسلم وصحبه، وقد يكون نزول الملائكة لأسباب وحكم أخرى يعلمها هو سبحانه وتعالى.
[اللفتة الثانية:]
بينت الآية أن قتال الملائكة في الغزوة كان بأمر من الله عز وجل، لقوله تعالى: فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال: ١٢] بل الغريب في الآية أن يوضح المولى سبحانه وتعالى للملائكة المواضع التي تضرب من هامات المشركين، فلا يترك للملائكة الاجتهاد في ذلك، وهذا من أظهر مواطن اعتناء المولى سبحانه وتعالى بتلك الغزوة. وحدوث البركة قطعا في ضرب الملائكة لتلك المواضع من هامات المشركين لأنها بأمر الله.
[اللفتة الثالثة:]
بيّن الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة عمل الملائكة، وهو تثبيت المؤمنين والقتال معهم، وعمله سبحانه وتعالى، هو إلقاء الرعب في صفوف المشركين، ولنا أن نتخيل خصمين في غزوة واحدة، الخصم الأول قد ثبّت الله أركانه وقوّى عزائمه بأن جعل الملائكة تقاتل معه أشد القتال وذلك بضرب رقاب ومفاصل عدوه، والخصم الثاني قد ثبط الله عزائمه وزلزل أركانه بأن ألقى في قلبه الرعب، فلأي الفريقين تكون الغلبة والنصر؟!.
١٤- إعلامه صلى الله عليه وسلم بكثير من أمور الغيب:
عن سهل بن سعد السّاعديّ: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلمّا مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذّة إلّا اتّبعها يضربها بسيفه فقالوا: ما أجزأ منّا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنّه من أهل النّار» فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدا قال فخرج معه كلّما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه قال: فجرح الرّجل جرحا شديدا، فاستعجل الموت؛ فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثمّ تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرّجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أنّك رسول الله قال:«وما ذاك؟» قال:
الرّجل الّذي ذكرت آنفا أنّه من أهل النّار، فأعظم النّاس ذلك فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه حتّى جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثمّ تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «إنّ الرّجل ليعمل عمل أهل الجنّة فيما يبدو للنّاس وهو من أهل النّار وإنّ الرّجل ليعمل عمل أهل النّار فيما يبدو للنّاس وهو من أهل الجنّة»«١» . (رواه مسلم) .
(١) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب: غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، برقم (١١٢) .