للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتدبر أخي القارئ قول الإمام: (من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة) . فيجب على كل مسلم أن يقارن حاله مع أوامر الكتاب والسنة على ضوء هذه الكلمات الثلاث المباركات، ويعمل على استيفائها على أحسن ما يكون حتى يضمن لنفسه كمال الإيمان بإذن الله- تعالى-.

٤- لم تكتف الآية باشتراط مجرد التحكيم لاستيفاء العبد صفة الإيمان، ولكنها اشترطت شرطين، هما: عدم وجود الحرج في القلب مع التسليم، ولا يسعني هنا إلا أن أذكر الكلام الجميل النفيس الذي ذكره الشيخ السعدي- رحمه الله- في تفسير هذه الآية، حيث قال ما نصه: (ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج عن قلوبهم والضيق، ولا يكفي في هذا التحكيم أن يكون على وجه الإغماض، حتى يسلموا لحكمه تسليما بانشراح صدر وطمأنينة نفس وانقياد بالظاهر والباطن، فالتحكيم في مقام الإسلام وانتفاء الحرج في مقام الإيمان والتسليم في مقام الإحسان، فمن استكمل هذه المراتب وكمّلها فقد استكمل مراتب الدين كلها، ومن ترك هذا التحكيم غير ملتزم له فهو كافر، ومن تركه مع التزامه له فله حكم أمثاله من العاصين) «١» .

أي: أن نفي الإيمان المذكور في الآية لا يقصد به نفي كمال الإيمان ولكن نفي الإيمان أصلا كما ذكره الشيخ- رحمه الله-، وهي الحالة التي لا يرضى فيها العبد بالتحكيم.

[الفائدة الثانية:]

سعة علم الله- سبحانه وتعالى-، الذي أحاط بكل شيء، فوسع مكنون الضمائر وما تخفيه السرائر، التي لا يطلع عليها الجار من جاره، ولا الزوج من زوجته، ولا الأم من ابنتها، ودليله من الآية أن الله- سبحانه وتعالى- رتب كمال الإيمان على عمل قلبي محض وهو التسليم، ولولا علم الله- تعالى- بدقائق ما في القلوب ما اشترطت الآية هذا الشرط.

[الفائدة الثالثة:]

أثبتت الآية الكريمة للنبي صلى الله عليه وسلم كمال العدل البشري والحكمة وفهم المسائل في القضاء بين المتخاصمين، حيث أوجبت الآية على كل مسلم الرضى بحكمه صلى الله عليه وسلم والتسليم له، ولو أن في حكمه صلى الله عليه وسلم شيئا (مهما دق وصغر) منافيا لكمال العدل والحكمة لقال قائل إن الله- سبحانه وتعالى- قد حمّل العباد أكثر من طاقتهم، وهذا ينافي ما وعد الله به عباده المؤمنين، فكيف يأمر الله عزّ وجلّ العباد بالرضى والتسليم لأمر أو حكم يخالف العدل أو الحكمة أو الفهم الصحيح، والذي أقصده من كمال العدل، هو كمال العدل


(١) انظر تيسير الكريم الرحمن، (١٨٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>