للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و [الحكم] الثالث:

يغسل ويكفن ويصلّى عليه، وفي الآخرة يرجى له الجنة بشهادته.

[الفائدة الرابعة عشرة:]

في الحديث أن على الإمام أن يرفق بالأمة، وأنه إذا تعارضت المصالح بدأ بأهمها وعليه أن يسعى في إزالة ما يكره المسلمون وما يشق عليهم. ونأخذ منه أيضا أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، والمفسدة هنا المشقة التي يتكبدها المسلمون بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم، والمصلحة التي أخّرت هي الخروج في سبيل الله.

وأسوق مثالا، يبين كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم أرفق الناس بأمته وأبعد الناس عما يشق عليها، فأقول: كانت أحب العبادات إلى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، ومع ذلك كان يدخل الصلاة وفي نيته أن يطيل، يتلذذ فيها بالقراءة ومناجاة ربه- تبارك وتعالى- ومن معه صلى الله عليه وسلم من جموع الصحابة رضي الله عنهم- ولكن كان إذا سمع في تلك الصلاة بكاء صبي، يخفف الصلاة، شفقة على أمه وكراهية المشقة عليها، ويفوّت على نفسه، وعلى بقية أصحابه، الأجر العظيم المترتب على طول الصلاة، شفقة على امرأة واحدة، من منا يفعل ذلك؟ روى أبو قتادة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنيّ لأقوم في الصّلاة أريد أن أطوّل فيها فأسمع بكاء الصّبيّ فأتجوّز في صلاتي كراهية أن أشقّ على أمّه» . «١»

[الفائدة الخامسة عشرة:]

فيه تسلية لمن عزم على الطاعة، وحيل بينه وبينها، فلا يظن بنفسه سوآ، فيقول: لو علم الله في نفسي خيرا وصدقا لوفقني للطاعة، كما لا يظن في الله سوآ فيقول: لم لم يوفقني وأنا ما أردت إلا خيرا؟ فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعبد الخلق لله، وأخلصهم له نية، يقسم بالله ليود ألا يقعد خلف سرية، ومع ذلك يحال بينه وبين ذلك، والله يقدر على أن يرزقه فيحمل فقراء المسلمين معه، أو يرزق الفقراء، والله- عز وجل- لا تعجزه الأسباب، ولكن شاء الله غير ذلك، وكل مشيئة لله مبنية على الحكمة، التي قد تخفى علينا، فعلى المسلم أن يسلم ويرضى، ولا يتكلف البحث عن حكمة الله في كل شيء، فما بيّنه الله من الحكم حمدناه على ذلك وآمنا بها، وإن كانت على خلاف المعقول بالنسبة للعقول، وما حجب عنا سلمنا به، وأيقنا أن حكمته- عز وجل- بالغة، فالمسلم لا يؤمن لأن عقله اقتنع بالحكمة أو السبب، بل يؤمن لأنه يعلم أن الله هو الذي أمر ونهى، وحكم وقدر في الأمور القدرية والشرعية، وإن لم نفعل ذلك لكنا مؤمنين بعقولنا، وما تمليه علينا أفهامنا فما قبله العقل قبلناه، وما رده رددناه.


(١) أخرجه البخاري، كتاب: الأذان، باب: من أخف الصلاة عند بكاء الصبي حديث (٧٠٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>