عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية، وإذا كنت عليّ غضبى» ، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال:«أما إذا كنت عنّي راضية فإنّك تقولين: لا وربّ محمّد، وإذا كنت عليّ غضبى قلت: لا وربّ إبراهيم» .
قالت: قلت: أجل. والله يا رسول الله ما أهجر إلّا اسمك) «١» . وهذا دليل آخر على جميل معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه رضي الله عنهن وحرصه على مداعبتهن وإدخال السرور عليهن.
والشّاهد في الحديث:
واضح: وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى» .
[ونذكر سريعا بعض فوائد الحديث:]
[الفائدة الأولى:]
مدى حب الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حتى يقسم أحوالها معه (وهو النبي المجتبى) ، إلى حالة رضى وحالة غضب، ولا يستحي صلى الله عليه وسلم أن يذكر أن زوجة من زوجاته قد تغضب عليه، وتظهر بكلامها أنها في حالة غضب.
[الفائدة الثانية:]
في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
١- علمها رضي الله عنها بمدى حب النبي صلى الله عليه وسلم لها، حتى تتدلل عليه مثل هذا الدلال، ويصل بها الأمر أن تهجر اسمه، أما كانت تخشى أن يغضب صلى الله عليه وسلم عليها؟!، بالقطع ما كانت تخشى ذلك، وإلا ما فعلت.
٢- أدبها الجم رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم ويتبين ذلك من:
أ- إذا غضبت من النبي صلى الله عليه وسلم ما تزيد على أن تقسم برب إبراهيم بدلا من أن تقسم برب محمد صلى الله عليه وسلم ولو كانت تفعل في حال الغضب أكثر من ذلك لذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
ب- إخبارها النبيّ صلى الله عليه وسلم أنها إذا كانت غضبى منه تقسم برب إبراهيم، فإنها لا تهجر إلا اسمه، أي لا يزيد الأمر بالنسبة إليها إلا هجر لسان ولا يزيد هجر اللسان إلا للاسم فقط، أما عقلها وقلبها وبقية جوارحها فلا تتأثر بهذا الغضب، الحب هو الحب، والإجلال والإكبار لا يتأثران، وأسأل هل هذا يطلق عليه أنه غضب؟ وإذا كان هذا حالها رضي الله عنها في حال الغضب فكيف كان حالها في الرضى؟ أقصد أنها بعد أن أفصحت للنبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تهجر إلا اسمه في حال الخصام فإنها في المستقبل لن ينفعها مثل هذا الهجر بعد أن
(١) البخاري، كتاب: النكاح، باب: غيرة النساء ووجدهن ... ، برقم (٥٢٢٨) . ومسلم، كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها، برقم (٢٤٣٩) .