للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحساب، قد كذب بظاهر القرآن؛ لأن الله بين في كتابه العزيز، أنه بإرسال الرسل وإنزال الكتب، قد قطعت حجة العباد على الله، قال تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء: ١٦٥] ، فقد بينت الآية، أن حجج العباد، قد انقطعت، وأن أعذارهم قد ردت، بعد إرسال الرسل، فالذي يقول أو يعتقد أن القضاء والقدر حجة له على الله عز وجل، فقد ادعى أن الله لم يقطع حجج الناس، وبهذا فقد كذب ظاهر القرآن؛ لأن الآية تنفي أي حجة بعد إرسال الرسل، وإذا كانت الآية قد ختمت بإثبات صفة الحكمة لله، بقطع الحجج للناس، فالذي يحتج بالقدر، ويرى أن ذلك حجة، فقد طعن- بل كذب- بحكمة الله؛ لأنه ادعى بقاء حجة للناس لم يستطع الله أن يقطعها أو يردها.

هـ- وأقول للمحتج بالقضاء: إذا كان عقلك لا يتصور أن الله كتب كل شيء، ولم يجبر أحدا على شيء، فسلّم أمرك لله، وبادر بالعمل وترك الشبهات، وأحسن الظن بالله في كل ما قدره وقضاه، وأسألك في النهاية سؤالا واحدا، أتريد من الله أن يخلق الخلق، ويجهل ماذا سيفعلون في الغد؟ أيكون إلها ولا يعلم سلفا ماذا سيفعل العباد! ولو فرض من باب التنزل معك حدوث ذلك، لاحتججت بذلك على عدم العمل؛ لأن الذي لا يعلم لا يستحق أن يكون إلها أبدا، والعاقل هو الذي يرى في علم الله وقدرته وكتابته، بالغ حكمته وعظيم قدرته، فيدفعه ذلك دفعا لطاعته وابتغاء مرضاته.

[الفائدة الثالثة عشرة:]

فرض الصلاة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في تلك الحادثة وفي ذلك المقام الشريف الأعلى يستحق منّا وقفة نقول فيها:

١- كان النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا على الملأ الأعلى في هذه الليلة المباركة، وقد مدح الله عز وجل من يكرم ضيفه، قال تعالى مادحا إبراهيم عليه السلام: فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ [الذاريات: ٢٦] ، ويقولون: لكل ضيف قرى، ويختلف القرى بغنى المضيف وكرمه، وكذلك بمكانة الضيف عنده، فالمضيف هنا هو الله سبحانه وتعالى، أغنى من عبد، وأكرم من سئل، وأجود من أعطى، والضيف هنا هو أحب الخلق إلى الله، الخليل محمد صلى الله عليه وسلم، فأراد الله سبحانه تعالى أن يكرم زائره، بل يكرم كل أمته من بعده، فأمره بعبادة تكون له ولأمته، عزّا في الدنيا وذخرا في الآخرة، يرفع الله بها الدرجات، ويمحو بها الزلات، ويكفر بها السيئات، ويعلي به الدرجات في الجنات العاليات، فكانت هذه الصلوات- وهي الركن الركين في هذا الدين الحنيف- خير تكليف في هذا المكان الشريف، الذي لا

<<  <  ج: ص:  >  >>