للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: يجرب العبد نفسه فيما يقدر عليه الآن، فإذا رأى نفسه لا يستطيع أن يصدق القول إن كان على نفسه، ولا يمسك لسانه عن الخوض في أعراض الناس، ويجد شهوته في أكل لحوم إخوانه بالغيبة والنميمة، ولا يفي بالوعد، ولا يعطف على الصغير ولا يوقر الكبير، وإذا رأى من نفسه عدم الصبر على الأمور البسيطة، التي لا تتطلب أدنى مجاهدة، وإذا شح بحقوق الآخرين التي في ذمته، ومن قبل ومن بعد، إذا تكاسل عن أداء العبادات، فلا يؤمل أن يصبر عند الشدائد، أو يثبت عند المصائب؛ لأن الإنسان إذا سقط في السهل كان سقوطه في الصعب آكد.

[الفائدة السابعة:]

لا يجوز للأطباء أن يستعجلوا وفاة أحد المرضى، مهما بلغ وجعه، ولو كان ميؤسا من شفائه؛ لأن الرجل الذي معنا ما أقدم على الانتحار، إلا لأنه جرح جرحا شديدا، فكان انتحاره من علامات سوء الخاتمة.

وشواهد إخبار النبي بأمور الغيب- التي أطلعه الله عليها- أكثر من أن تحصى، وقد ورد في ثنايا هذا الكتاب أحاديث كثيرة تشهد بذلك، وسأورد هنا مثالين اخترتهما لبيان أن إخبار النبي بأمور الغيب كان من أعظم صدق دلائل نبوته، فالحديث الأول والذى أخبر فيه النبي بانتشار الإسلام وظهوره وتمكنه في الأرض كان قبل الهجرة، والمسلمون في غاية الضعف، بل يعذبون وينكل بهم غاية التنكيل، أما الحديث الثاني فقد أخبر فيه النبي بكل ما هو كائن إلى يوم القيامة، في خطبة استغرقت نهارا كاملا، من صلاة الفجر حتى صلاة المغرب، ولا شك أن الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي قد عاينوا وعايشوا الكثير من وقائع تلك الأخبار، خاصة ما يتعلق بالفتن، ولولا صدق النبي فيما يخبر به عن ربه، وتأييد المولى سبحانه وتعالى له، لحدث اختلاف كثير بين ما قال وما حدث.

[الحديث الأول:]

عن خبّاب بن الأرتّ قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسّد بردة له في ظلّ الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرّجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصدّه ذلك عن دينه والله ليتمّنّ هذا الأمر حتّى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلّا الله والذّئب على غنمه ولكنّكم تستعجلون» «١» .


(١) رواه البخاري، كتاب الإكراه، باب: من اختار الضرب والقتل ... ، برقم (٦٩٤٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>