وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب: ٤٣] ، والحكمة من عدم تقييد آية الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم بغاية أو سبب، لتستوعب الآية كل غاية وسبب ممكنين، فالإطلاق هنا أريد به التعظيم.
د- كما لم تقيد الآية الأمر الموجه للمؤمنين بزمن معين مثل: أي ساعة من الليل أو النهار، أو في شهر فضيل من أشهر السنة، أو يوم مبارك من أيام الأسبوع، أو بعد عبادة معينة، كما لم تقيد الآية الصلاة بعدد مرات في عمر المؤمن، كما تكون سائر العبادات من صلاة وصوم، فعلمنا من هذا الإطلاق إرادة المولى- سبحانه وتعالى- الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في كل زمان ومكان، وكلما زاد المؤمن صلاة كان ذلك خيرا له.
٨- شملت الآية أعظم الحث على الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث لم يأت الحث بذكر الجزاء الموفور كبقية العبادات، بل أتى الحث بأعظم من ذلك بكثير، أتى الحث بكون الله- سبحانه وتعالى- قد بدأ الأمر بنفسه وثنّى بملائكته، فالذين يريدون أن يفعلوا أمرا يفعله الله- سبحانه وتعالى- وتواظب عليه ملائكته، فليصلوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم لذا يقول بعض خطباء المساجد في خاتمة خطبة الجمعة:(يا أيها المؤمنون إن الله أمركم بأمر بدأ به بنفسه وثنّى بملائكته) .
٩- ضمنت الآية ألا تنقطع الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم أبدا، فاليوم يصلي الله عليه وملائكته والمؤمنون، فإذا مات آخر مؤمن على وجه الأرض، فسيبقى الله وملائكته يصلون على النبي، وإذا ماتت الملائكة عن آخرهم، فسيبقى الحي الذي لا يموت يصلي على نبيه صلّى الله عليه وسلّم.
وهذا من عظيم اعتناء الله بنبيه أن لم يوكل أمر الصلاة على نبيه صلّى الله عليه وسلّم بالبشر، فتنقطع تلك الصلاة بكفر أهل الأرض جميعا، قبل يوم القيامة، أو بموتهم، ولذلك ستبقى الصلاة على نبيه صلّى الله عليه وسلّم بالرحمة والفضل- متصلة أبد الآبدين.
١٠- كما ضمنت الآية استمرار الثناء والذكر الحسن والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في كل مكان، في الحضرة الإلهية وفي الملأ الأعلى وفي السماوات والأرض وما بينهما. ويتفرع على كل ما ذكر، وجوب زيادة شعورنا بمدى إجلال وإكبار نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأن يترجم هذا الإجلال والإكبار إلى منهج وسلوك.
[الفائدة الثانية:]
ثواب الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه عشرا»«١» .