للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغريب هو ما أشارت إليه الآية، بأن عدم نزول العذاب احتاج إلى شمول عباد الله المذنبين بصفتين من صفات الكمال المستحقة لله- تبارك وتعالى-، وهما الفضل والرحمة، ولو أن هذه الآية قد أوضحت ما كان يمكن أن يقع للمذنبين لولا فضل الله ورحمته، فإن الآية الآخرى، وهي قوله- تعالى-: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [النّور: ٢٠] أبهمت ما كان يمكن أن يصيب الخائضين، والغرض من هذا الإبهام هو المزيد من التخويف والتهويل من شأن العذاب، فلله الحمد والمنة على وافر فضله وواسع رحمته، التي كان من أثرها أن رفع العذاب العظيم بعد استحقاقه.

وإن كان لي تعليق بعد ذكر ما جاء في الآيات الكريمات، فأقول: إنني لم أذكر تلك الآيات لبيان براءة عائشة- رضي الله عنها- حاشا لله- فإن شأني أحقر من ذلك بكثير، وهل هي في حاجة إلى أن يبرئها أحد من الخلق بعد أن برأها رب الخلق؟! ولكني ذكرت تلك الآيات فقط لبيان اعتناء الله- سبحانه وتعالى- بنبيه صلّى الله عليه وسلّم وأزواجه العفيفات، وغيرته على عرض نبيه صلّى الله عليه وسلّم، فليس الشأن أن نعلم كم آية نزلت في عائشة- رضي الله عنها-، ولكن الشأن كل الشأن أن نعلم كيف جاء نظم تلك الآيات وما فيها من الدفاع عن زوجات النبي صلّى الله عليه وسلّم وما كان ذلك إلا لاقترانهن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم.

[ثانيا: بعض فوائد الآيات الكريمات:]

[الفائدة الأولى:]

لا يتعجل المسلم الحكم على الأمر الذي أصابه أنه شر، فقد يكون فيه كل الخير له، كما أن المسلم المحتسب لن يحرم الخير في كل بلاء أصابه، لما رواه مسلم في صحيحه، عن صهيب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لأمر المؤمن! إنّ أمره كلّه خير، وليس ذاك لأحد إلّا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له» «١» .

[الفائدة الثانية:]

كذب مقولة: «كل دخان من نار» أو «ليس دخان إلا من نار» ؛ لأن واقعة الإفك كان فيها دخان كثيف بدون نار، فيجب الانتهاء عن هذه المقولة لأنها قد تكون بمثابة قذف الأبرياء.

[الفائدة الثالثة:]

عدل الله المطلق في حكمه بين العباد؛ إذ أثبتت الآية أن المرء لا يسأل


(١) رواه مسلم، كتاب: الزهد، باب: المؤمن أمره كله خير، برقم (٢٩٩٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>