للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وفي الحديث فوائد منها:]

[الفائدة الأولى:]

أدب المجالس، وهو ألايجلس صغار السن مع الأشياخ الكبار، والدليل على ذلك، أن بعض الأشياخ وجد في نفسه شيئا من دخول ابن عباس، - رضي الله عنهما- معهم، ولو أنهم اعتادوا ذلك ما أنكروه، وكان صغار الصحابة سنّا يستحيون أن يتكلموا في حضرة من هو أكبر منهم سنّا، وهذا أدب جم، افتقدناه كثيرا الآن، فعند البخاري، عن ابن عمر قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أخبروني بشجرة شبه، أو كالرّجل المسلم، لا يتحاتّ ورقها. قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنّها النّخلة ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلّمان فكرهت أن أتكلّم أو أقول شيئا، فقال عمر: لأن تكون قلتها أحبّ إليّ من كذا وكذا «١» .

[الفائدة الثانية:]

رسوخ قدم ابن عباس- رضي الله عنهما- في علم التأويل وتفسير القرآن، حيث سبق أشياخ بدر في تأويل مراد الله من قوله: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وما كان ذلك إلا ببركة دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد ورد عند البخاري، عن ابن عبّاس: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل الخلاء فوضعت له وضوآ قال: «من وضع هذا؟» فأخبر، فقال: «اللهمّ فقّهه في الدّين» «٢» . وهذا من دلائل نبوته.

[الفائدة الثالثة:]

تعظيم عمر رضي الله عنه، لأهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال لأشياخ بدر:

(إنه من قد علمتم) فقد يكون إشارة إلى قرابته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بالإضافة إلى رسوخ علمه.

[الفائدة الرابعة:]

فضل أهل العلم، خاصة علم التأويل والتفسير، وأنّ من السنة تقريبهم من مجالس الأشراف وكبراء القوم، والتحدث بفضلهم، وبيان ذلك للناس، حتى ينتفعوا بهم ويعرفوا قدرهم، ويرجعوا إليهم في مسائل الفتيا وغيرها. علمنا ذلك من دعوة عمر لابن عباس رضي الله عنهم جميعا لحضور مجلس أشياخ بدر، والتنويه بمنزلته في قوله:

(إنه من قد علمتم) ، ثم سؤالهم وسؤاله عن آية في كتاب الله، ليعلمهم فضله عليهم في العلم.


(١) البخاري، كتاب: تفسير القرآن، باب: قوله: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ، برقم (٤٦٩٨) .
(٢) البخاري، كتاب: الوضوء، باب: وضع الماء عند الخلاء، برقم (١٤٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>