للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦- علوها على بقية القرى:

عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة تنفي النّاس كما ينفي الكير خبث الحديد» . [رواه البخاري] «١» .

[الشاهد في الحديث:]

قوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت بقرية تأكل القرى» ، وقوله: «تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد» ، أما الكير فمعناه كما رجح ابن حجر: حانوت الحداد والصائغ ومجمل المعنى كما ذكر ابن حجر: (أنها لا تترك فيها من في قلبه دغل بل تميزه عن القلوب الصادقة وتخرجه كما يميز الحداد رديء الحديد من جيده) «٢» .

[بعض فوائد الحديث:]

[الفائدة الأولى:]

بيان فضل المدينة وعلوها على بقية المدن والقرى، يتبين ذلك من:

١- أن الله- عز وجل- هو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة وملازمة سكناها وأنه- تبارك وتعالى- هو الذي اختارها له مقاما في حياته وبعد مماته صلى الله عليه وسلم، ودليله: «أمرت بقرية» ، فالآمر بلا شك هو الله- سبحانه وتعالى-.

٢- كونها تأكل القرى، أي تغلبهم، وقال ابن حجر: (كنّى بالأكل عن الغلبة؛ لأن الآكل غالب على المأكول. وقيل: معناه: يفتح أهلها القرى فيأكلون أموالهم ويسبون ذراريهم) «٣» .

وأعتقد أن قوله صلى الله عليه وسلم: «تأكل القرى» يحتمل معنى آخر وقد يكون هو الأوجه، وهو أن المدينة تغلب بقية المدن في الفضل والبركة في صاعها ومدها واشتياق الناس إليها وحبهم لها وهو مشهود جدّا إلى يومنا هذا، وهو ما نوه إلى بعضه المنير في الحاشية بقوله: (يحتمل أن يكون المراد بأكلها القرى غلبة فضلها على فضل غيرها، ومعناها أن الفضائل تضمحل في جنب عظيم فضلها حتى تكاد تكون عدما) «٤» . ويتوجب الجمع بين القولين وعدم رد أحدهما حيث إن اللفظ يحتملهما والنصوص الشرعية تؤيدهما.

٣- قدرتها على إخراج الكافرين والمنافقين خارج حدودها، فكأنها تطّلع على قلوب الناس فتميزها فتخرج الرديء، وليس هذا لمدينة أخرى سواها، ولكن هل هذا النفي على


(١) البخاري، كتاب: الحج، باب: فضل المدينة وأنها تنفي الناس، برقم (١٨٧١) .
(٢) فتح الباري (٤/ ٨٨) .
(٣) فتح الباري (٤/ ٨٧) .
(٤) حاشية المنير.

<<  <  ج: ص:  >  >>