للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١- الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص لم يلتزم للنبي صلّى الله عليه وسلّم أو يعاهده على تلك العبادات التي ذكرها في الحديث. وهي صوم يوم وإفطار يوم وختم القرآن في سبعة أيام. وإنما اعتبر نصح الرسول صلّى الله عليه وسلّم له بذلك والتزامه رضي الله عنه بتلك العبادات طيلة حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم كالعهد مع النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي يجب الوفاء به.

٢- العبادات التي التزم بها عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ليس من الواجب ولا الفروض ولكنها من السنن.

٣- بلغت المشقة بعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أقصاها، لما كبر سنّه، من المواظبة على تلك العبادات.

ومع كل ما ذكر لم يستطع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن يترك تلك العبادات، مع أنه يعلم تماما أن المشقة توجب التخفيف، ويتذكر جيدا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم راجعه ليخفف عن نفسه، وما تركها رضي الله عنه مخافة ضياع ثوابها- لأنه يعلم أن الله يكتب للمريض ما كان يفعله وهو صحيح- وإنما لم يتركها كراهية أن يترك شيئا فارق عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال الإمام النووي- رحمه الله- (معناه أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فشق عليه فعله لعجزه ولم يعجبه أن يتركه لالتزامه له، فتمنى لو قبل الرخصة فأخذ بالأخف) «١» . وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: (ومع عجزه وتمنيه الأخذ بالرخصة لم يترك العمل بما التزمه) «٢» .

[الفائدة الثانية:]

شفقة النبي صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه، حيث راجع الصحابي عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في أمر زوجته حتى يعطيها حقها، كما راجعه في أمر عبادته حتى لا يشق على نفسه ويجهدها مما قد يضطره إلى قطع تلك العبادة إذا كبر سنه، وهذا فيه بعد نظر جميل من النبي صلّى الله عليه وسلّم.

[الفائدة الثالثة:]

حياؤه صلّى الله عليه وسلّم وحكمته، أما حياؤه فإنه صلّى الله عليه وسلّم لم يصارح عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بما بدر منه تجاه زوجته منذ زواجهما، أما حكمته صلّى الله عليه وسلّم فتتضح من معالجته لأصل المشكلة وهي تفرغ عبد الله بن عمرو للعبادة وانشغاله بها طوال ليله ونهاره.

[الفائدة الرابعة:]

حب الصحابة رضي الله عنهم للعبادة، لقد ودوا لو استغرقت كل أوقاتهم، لولا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يرشدهم دائما إلى القصد وإعطاء كل ذي حق حقه. قال صلّى الله عليه وسلّم: «فإن


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (٨/ ٤٣) .
(٢) انظر فتح الباري (٤/ ٢٢٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>