تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: ٩] ، وعجبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي وهو فقير، والرجل الآن لا يعطي وهو غني، حتى إن الرجل الآن، يبخل أن يرد السائل بالكلمة الطيبة، والله- تبارك وتعالى- يقول:
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى: ١٠] ، وتأمل قول الراوي:(وقد عرفت أنه لا يسأل شيئا فيمنعه)[وشيئا] ، هنا نكرة جاءت في سياق النفي، فتقتضي العموم، ومعناه لا يسأل عن صغير ولا كبير، يحتاج إليه أو لا يحتاج إليه إلا ويعطيه.
[الفائدة الثانية:]
حب الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم:
١- قامت المرأة بنسج البردة بيديها، ورد في رواية عند البخاري أنها قالت:(نسجتها بيدي) ، ولو كانت هذه صنعتها أو شيئا من عادتها، لما قالت نسجتها بيدي.
٢- حضور المرأة بنفسها للرسول صلى الله عليه وسلم لتقدم له البردة، ولم ترسلها مع أحد، وهذا فيه الأدب والحب، فقد ورد أيضا عند البخاري:(فجئت لأكسوكها) .
٣- توجيه الصحابة اللوم لمن سأل البردة، وما وجهوا اللوم إلا لأنهم وجدوا في أنفسهم حرجا أن يحرم الرسول صلى الله عليه وسلم من شيء هو في حاجة إليه، وهذا دليل على حبهم له.
الفائدة الثّالثة:
تعظيم الصحابة لكل ما لامس جسد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث إن السائل رغم حسن البردة وجمالها، ما طلبها ليلبسها، بل طلبها ليكفن بها، ولولا علم الصحابة بجواز ذلك، وأنها يمكن أن تنفعه في قبره لأنكروا عليه، ولو أنهم كانوا يجهلون المسألة أصلا، لسألوا عنها النبي صلى الله عليه وسلم، قال السائل:(رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها) ، وعند البخاري:(قال سهل: فكانت كفنه) .
وتأمل أخي القارئ، قصر المدة التي لبس النبي صلى الله عليه وسلم فيها هذه البردة، حتى يرجو السائل بركتها، لكنه علم أن هذه البركة تحدث بأدنى ملامسة من النبي صلى الله عليه وسلم للبردة، أعلمت أخي القارئ مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه- تبارك وتعالى-، أن يجعل في كل ما يلامسه أعظم البركة، وأيضا مكانته صلى الله عليه وسلم عند أصحابه، ويقينهم بذلك.
ويتفرع على ذلك: تقديم الصحابة- رضي الله عنهم- أمر الآخرة على أمر الدنيا حيث إن السائل ادخر البردة للقبر والكفن، وفضل ذلك على ارتدائها في الدنيا، مع ملاحظة أن ارتداءها في الدنيا، فيه بركة أيضا، ولكن حاجته إليها في القبر أشد وأظهر.