إثبات أن صفتي الرحمة والعلم هما أوسع الصفات وأعظمها لقول الملائكة: وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، ولم يرد هذا الوصف لغيرهما من الصفات.
[الفائدة الثامنة:]
جمعت الآية الكريمة بين الترغيب والترهيب، فالترغيب بمقتضى صفة الرحمة، والترهيب بمقتضى صفة العلم، فحقيق بالعبد إذا علم أن الله مطلع على كل أفعاله وأقواله وحركاته وسكناته أن يخشى الله ويتقيه، وحقيق به أيضا إذا علم أن رحمة الله وسعت كل شيء ألايقنط من رحمة الله تعالى مهما بلغت ذنوبه وآثامه.
قال الإمام ابن كثير:(أي رحمتك تسع ذنوبهم وخطاياهم وعلمك محيط بجميع أعمالهم وأقوالهم)«١» .
وأضيف فأقول: إن علم الله الواسع لا يحيط بأعمال العباد وأفعالهم فحسب، بل هو محيط بكل ما يطلق عليه لفظ شيء في هذا الكون.
[الفائدة التاسعة:]
من صفات المؤمن الملازمة له والتي لا تنفك عنه صفة التوبة والاتباع، ودليله أن الآية ذكرت أولا أن الملائكة تستغفر للذين آمنوا، ثم لما ذكرت صفات المؤمنين المستغفر لهم قالت: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ، وأقول: أخشى ألا ينال أصحاب البدع في الدين بركة هذا الدعاء بشؤم ابتداعهم وانحرافهم عن سبيل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
[الفائدة العاشرة:]
مشروعية أن يدعو المؤمن لأخيه بظهر الغيب، وأن الله- سبحانه وتعالى- يقبل ذلك لدعاء الملائكة للمؤمنين.
[الفائدة الحادية عشرة:]
من أساليب البلاغة التي يتميز بها القرآن الكريم والتي تزيده حسنا على حسن، الإجمال ثم التفصيل، فأجملت الآية صيغة الدعاء وصفة من يشملهم الدعاء، ثم فصّلت الأمرين، فنصت على ما يقال في الدعاء وصفة المدعو لهم. قال تعالى:
وجوب أن يعلم كل مؤمن أن الفوز بالجنة والوقاية من عذاب الجحيم، إنما هو محض فضل من الله- تبارك وتعالى-، فلو كان العبد يستحق ذلك بعمله، ما دعت الملائكة للتائبين والمتبعين بالنجاة من عذاب الجحيم، ولاستحقت لهم الجنة بعملهم دون الحاجة إلى فضل الله ورحمته. ويتفرع عليه أن العبد يجب عليه أن يلازم الدعاء بالفوز بالجنة والنجاة من النار، بناء على علمه أنه لا يستحق ذلك إلا بفضل الله،