للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استرعت انتباه ورقة أولا قبل الحكاية، بقولها: (اسمع) وتلطفت إليه بقولها: (يا بن عم) وبقولها: (من ابن أخيك) ، هذا الفقه والعلم والدراية والحكمة من خديجة، لا أظن أن أحدا نازعها فيهم، لذلك أثنى عليها النبي غاية الثناء وأحبها حبّا لم يحبه لأحد من نسائه سواها، ويجب أن نتأمل أن هذا الفقه والعلم، كان منها قبل البعثة فما بالكم بعدها. قال الإمام النووي في مدح أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها: (وفيه أعظم دليل وأبلغ حجّة على كمال خديجة رضي الله عنها، وجزالة رأيها، وقوّة نفسها، وثبات قلبها، وعظم فقهها) «١» .

[الفائدة الثانية عشرة:]

في قول خديجة: (والله ما يخزيك الله أبدا) ، حثّ وترغيب لأفراد الأمة أن تتمثل بهذه الأخلاق الحميدة، أولا: لأن الله- عز وجل- يحبها، وأنه يكافئ من اتصف بها بعدم الخزي في الدنيا والآخرة. ثانيا: لأنها أخلاق سيد البشر صلّى الله عليه وسلّم، التي ربّاه الله عليها قبل البعثة ليأهله للقيام بأعظم المهام.

قال الإمام النووي: (قال العلماء رضي الله عنهم: معنى كلام خديجة رضي الله عنها: إنّك لا يصيبك مكروه؛ لما جعل الله فيك من مكارم الأخلاق وكرم الشّمائل. وذكرت ضروبا من ذلك وفي هذا دلالة على أنّ مكارم الأخلاق وخصال الخير سبب السّلامة من مصارع السّوء) «٢» .

[الفائدة الثالثة عشرة:]

تصديق ورقة بن نوفل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم تصديقا كاملا، وذلك أنه أقر بأن الذي أنزل على الرسول هو الحق، فقال: (هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى) . فعلمنا إيمانه بجبريل وموسى وعيسى، لقول الراوي: (وكان امرآ قد تنصر في الجاهلية) ، وقبل ذلك أنه آمن بالله- سبحانه وتعالى- وأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب، بل إنه عزم على نصرة النبي على أعدائه، وأن يهاجر معه عند ما يخرجه قومه، فكل ذلك يدل قطعا على أنه صدق بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ونوى النصرة والجهاد في سبيل الله، فإذا قال قائل: كيف تحكم له بذلك، وهو لم يشهد الشهادتين؟.

قلت له: إنه توفي بعد تلك الحادثة، وقبل تتابع الوحي على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقبل دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم الناس أن يؤمنوا به، ويصدقوه ويشهدوا الشهادتين.

[الفائدة الرابعة عشرة:]

قد يشعر أهل الدين والعلم، بقرب أجلهم، وذلك لقول ورقة:


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (٢/ ٢٠٢) .
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (٢/ ٢٠٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>