منه، قال تعالى: ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، كما أن قيام المسلم بأداء العبادة، والمسابقة في ميادين الخير، إنما هو بإذن الله، قال تعالى: وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر:
٣٢] ، يتفرع على ذلك أن على العبد المسلم ألا يرى لنفسه فضلا في عبادة الله، وأن يرجع الفضل كله لله، ويسأله دوما التوفيق لعمل الطاعات، وإذا وفّق كان عليه شكر المنعم المتفضل، الذي أذن له بالطاعة ووفقه لها.
[الفائدة الثانية:]
وجوب امتنان هذه الأمة لخالقها ومصطفيها- عز وجل-، إذا امتن عليها بواسع فضله، في الدنيا بالاصطفاء والكتاب، وفي الآخرة بالجنات العاليات. ويجب أن يكون هذا الامتنان بالعلم والعمل.
[الفائدة الثالثة:]
لا ينبغي لأحد أبدا من المؤمنين، أن يعتقد بأن ما عند غير المسلمين أفضل مما عنده، وكذلك من أعطاه الله الكتاب علما ودراية وعملا وحفظا، أن يعتقد أن غيره من المسلمين ممن هو أقل منه في العلم والعمل بالقرآن أنه أفضل منه وإن كان ذا حظ في المال والجاه والنسب، لأن هذا وذاك تكذيب لصريح الآية، قال تعالى: ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، فجاء الإخبار بالجملة الاسمية التي تفيد الاستمرار والثبوت، مما يوجب الاعتقاد أن غير ذلك ليس بالفضل الكبير.
والحاصل أن كل فضل في الدنيا، يحتقر مقارنة بفضل الكتاب والاصطفاء، أما في الآخرة فلا فضل إلا في الجنة.
[الفائدة الرابعة:]
تعظيم القرآن الكريم؛ لأن الله- سبحانه وتعالى- قد جمع لهذه الأمة فيه كل الكتب المنزلة من قبل، فيجب على المسلمين الاهتمام به غاية الاهتمام، وألاتكون نعمة تداول القرآن بيسر وسهولة في طبعات مزينة مزخرفة، وأنه متوفر في كل بيت ومسجد ومكتب، سببا في عدم الشعور بهذه المنة العظيمة من الله، ومن غره ذلك، فليعلم أنه أتى على الناس زمن، كانوا يشترون القرآن بمئات الجنيهات من العملات الصعبة، ويوزعونه بينهم خفية، ويقسمونه على عدة أجزاء لصعوبة الحصول على نسخة كاملة، ومن ضبط عنده شيء منه يحكم عليه بالسجن أو القتل.
[الفائدة الخامسة:]
الحكم بتخليد أهل الكبائر من المسلمين في النار- أو أنه في منزلة بين منزلتين أو أنه كافر- تكذيب بظاهر القرآن، حيث إن الآية قسمت المصطفين من عباد الله إلى ثلاثة أقسام: الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات، فإذا لم يكن أصحاب الكبائر من الظالمين لأنفسهم، فليس في الدنيا ظالم لنفسه، كما أن الآية حكمت للفئات الثلاثة أنهم