هُوَ حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح» .
وللدلالة على عظيم بركتها، أن ضمنت لمن يقرأها أمرين، ولو كان أمرا واحدا لكفى:
الأمر الأول: وجود الحافظ، الذي هو من الله، فهو أتى بأمر الله ويستمد قوته من الله، وقد سمي حافظا، فهو لن يضيع ما استحفظ عليه، وهو نفس المؤمن، وإلا ما استحق هذا الوصف الدقيق.
الأمر الثاني: عدم قرب الشيطان، ولم يقل:(ولا يمسنك شيطان) . وشتان بين القرب والمس؛ لأن الشيطان قد لا يمس المؤمن، ولكن قد يوصل إليه أدنى أذى ولو من بعيد، ولكن هذا لن يحدث ببركد قراءة المؤمن لآية الكرسي.
٢- ثبوت تفاضل آيات القرآن الكريم، وأن بعضها أعظم من بعض في النفع والبركة، مع إيماننا أن القرآن كله عظيم ومبارك، قال تعالى: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥)[الأنعام: ١٥٥] .
[الفائدة الثالثة:]
في مناقب أبي هريرة رضي الله عنه:
١- فقهه: حيث إنه لم يرفع الأسير إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم لمّا رآه يأخذ من مال الصدقة لإقامة حد السرقة عليه، إما لعلمه باستحباب تعافي (أي دفع) الحدود قبل أن تصل إلى الإمام، أو لعلمه أن الأسير له حق في هذه الصدقة لحاجته وعياله، والحد لا يقام على الفقير خاصة إذا سرق من المال العام الذي له فيه حق بقدر ما يحتاجه ويفتقر إليه.
٢- حسن ظنه بالناس: حيث إنه صدق الأسير لما أعلمه بحاله، وكذا رحمته بالفقير، قال أبو هريرة رضي الله عنه:(يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت) . وما كان ليرحمه إلا بعد تقديم حسن الظن به في صدق حديثه.
٣- أمانته: حيث كان يترصد الأسير كل ليلة، ويمنعه من الأخذ من مال الصدقة، المأمور بحفظها، وما استطاع الأسير أن يغافله ويسرق ولو مرة واحدة، خاصة أنه كان يأتي ليلا، وهو الوقت الذي ينام فيه الحراس غالبا.
٤- تصديقه المطلق للنبي صلّى الله عليه وسلّم: حيث كان في كل ليلة يتيقن من عودة الأسير، وما كان ذلك إلا لتصديق أبي هريرة لخبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم حيث قال:(فعرفت أنه سيعود لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: إنه سيعود) ، فما نظر أبو هريرة، رضي الله عنه إلى القرائن التي توحي بأنه لن يعود، وما قارنها بالأسباب التي توحي بعدم عودته، وإنما كان كل الذي اعتقده أن الأسير سيعود