للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البخاري رحمه الله لهذه الآية بابا سماه (العلم قبل العمل) ، ولكن يجب أن يفهم هذا الكلام فهما صحيحا، ونكون وسطا، بين من ينصح ويأمر الناس دون أي علم، ودون أن يحقق شيئا حتى أمر التوحيد، وبين من يأخذ العلم جلّ وقته، ويترك النصح لأفراد المسلمين بحجة تلقي العلم أولا. فالقصد القصد، ومتى علم المسلم شيئا من المسائل وفهمها، فعليه إبلاغها، دون إفتاء أو توسع في الأمر، حتى لا ينجر إلى مسائل أخرى لا يعلمها، فيفتي بدون علم، ويجب عليه أن يتقي الله، فلا يستحي أن يقول: (لا أعلم) لمجرد أن الناس فهموا من نصحه أنه عالم، كما أن على الناس، أن ينتبهوا ممن يأخذون دينهم، فلا يتساهلون ويسألون من تيسّر أمامهم؛ لأنه ينصح أو يبدو عليه سمة الصلاح والتقوى، أو أنه متساهل في الفتوى، بل عليهم أن يجتهدوا، في معرفة أمور الحلال والحرام، ويعلموا أنهم إذا سألوا من لا علم عنده فقد أعانوا عليه الشيطان، ومرة بعد مرة، يتجرأ هذا الناصح على الفتيا ويتحرج أن يقول: (لا أعلم) .

[الفائدة الرابعة:]

البدعة في الدين أعظم وزرا من المعصية؛ لأن المعصية يتوب منها العبد، وخطرها- في الغالب- مقصور على صاحبها، أما البدعة فخطرها متعدّ لكل من رآها وعمل بها إلى يوم القيامة.

[الفائدة الخامسة:]

سعة ما عند الله- عز وجل- من الأجر والمثوبة لعباده المؤمنين، حيث يعطي من دعا إلى هدى أجره وأجر من عمل بدعوته إلى يوم القيامة، سبحانه هو الغني، وكذا سعة ما عنده من العقوبة.

[الفائدة السادسة:]

علمنا من الحديث أن أحدا لا يحمل عن أحد وزره، حتى ولو كان هو الذي أضله، ولكن الذي دعا إلى ضلالة يحمل مثل وزر من أضله، أي أنه يحمل وزرين:

وزر الضلال ووزر الإضلال، وعلى هذا المعنى يفهم قوله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ [النحل: ٢٥] .

١١- الأمر بالصدقة بين يدي نجواه صلّى الله عليه وسلّم:

قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المجادلة: ١٢] .

إنّ أمر الله المؤمنين بالصدقة قبل مناجاة النبي صلّى الله عليه وسلّم- أي الإسرار إليه- لهو من أبين الأدلة على عناية الله- سبحانه وتعالى- بنبيه صلّى الله عليه وسلّم، بما يضمن رفع شأنه وإظهار فضله

<<  <  ج: ص:  >  >>