للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزلت مثل نزول القرآن الكريم، لكان الرد القرآني على الكفار أن هذه هي سنة الله في جميع الكتب السابقة، وهي النزول على دفعات، ولكان هذا الرد أكثر إفحاما للمعترضين؛ لأنه بيّن أن هذا القرآن ليس بدعا من الكتب، كما بين جهل المعترضين، بكيفية نزول الكتب السابقة. والدليل على ما قلت من كتاب الله- عز وجل-، أن الكفار لما اعترضوا على مشي النبي صلى الله عليه وسلم في الأسواق وأكله الطعام رد الله- عز وجل- هذه الشبهة بقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً [الفرقان: ٢٠] .

قال الشيخ السعدي رحمه الله: (وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن، وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم حيث جعل إنزال كتابه جاريا على أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم ومصالحه الدينية) «١» .

[الفائدة الثانية:]

عظيم عناية الله- عز وجل- بقلب نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد أراد أن يثبته غاية التثبيت، قال الإمام القرطبي رحمه الله: (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ: أي نقوي به قلبك فتعيه وتحمله؛ لأن الكتب المتقدمة أنزلت على أنبياء يكتبون ويقرؤن، والقرآن أنزل على نبي أمي، ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور، ففرقناه ليكون أوعى للنبي صلى الله عليه وسلم وأيسر على العامل به، فكان كلما نزل وحي جديد زاده قوة قلب) «٢» .

وهو كلام جميل من الإمام العالم، ولكني أعتقد أنه لا مدخل لأمية النبي صلى الله عليه وسلم في نزول القرآن منجما؛ لأن الآية أوضحت سبب النزول مفرقا أوضح بيان.

[الفائدة الثالثة:]

بيان ما كان عليه قلب النبي صلى الله عليه وسلم من قوة وثبات ورسوخ، وهذا ظاهر وجلي لمن تتبع سيرته صلى الله عليه وسلم، قال الشيخ السعدي رحمه الله: (لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن، ازداد طمأنينة وثباتا، وخصوصا عند ورود أسباب القلق، فإن نزول القرآن عند حدوث السبب، يكون له موقع عظيم، وتثبيت كثير، أبلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك، ثم تذكّره عند حلول سببه) «٣» .

ويؤخذ منه أيضا ثبات قلوب المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من غيرهم من أتباع


(١) انظر «تيسير الكريم الرحمن» ، (٥٨٢) .
(٢) انظر «الجامع لأحكام القرآن» ، (١٣/ ٢٨) .
(٣) انظر «تيسير الكريم الرحمن» ، (٨٥٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>