للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبكاء، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا من الرحمة قال صلى الله عليه وسلم «يا ابن عوف إنها رحمة» .

يتفرع على ذلك: خطأ من يقول: إنني أفرح بكل أقدار الله- سبحانه وتعالى- ويريد أن يجعل هذا الفرح علامة على حبه لله، فأقول له: لن يكون حبك لله- عز وجل- كحب النبي صلى الله عليه وسلم له، ومع ذلك أبدى الحزن والبكاء، ونخشى على من لا يبكي ويحزن، أن يكون قد نزعت الرحمة من قلبه؛ قال تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣) [النجم: ٤٣] .

د- صبره صلى الله عليه وسلم على أذى المنافقين وأذى المسلمين وأقدر الله المؤلمة:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه، فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها معه، فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه، فسرنا حتّى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرّحيل، فقمت حين آذنوا بالرّحيل فمشيت حتّى جاوزت الجيش فلمّا قضيت شأني أقبلت إلى الرّحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع؛ فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه فأقبل الّذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب وهم يحسبون أنّي فيه- وكان النّساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهنّ اللّحم، وإنّما يأكلن العلقة من الطّعام «١» فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السّنّ فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش فجئت منزلهم وليس فيه أحد، فأممت منزلي الّذي كنت به فظننت أنّهم سيفقدونني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ ثمّ الذّكوانيّ من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني- وكان يراني قبل الحجاب- فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته، فوطئ يدها فركبتها فانطلق يقود بي الرّاحلة حتّى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرّسين في نحر الظّهيرة، فهلك من هلك، وكان الّذي تولّى الإفك عبد الله بن أبيّ، ابن سلول، فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا، والنّاس يفيضون من قول أصحاب الإفك ويريا بني في وجعي أنّي لا أرى من النّبيّ صلى الله عليه وسلم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أمرض، إنّما يدخل فيسلّم ثمّ يقول «كيف تيكم؟» «٢» لا أشعر بشيء من ذلك حتّى نقهت «٣» فخرجت


(١) أي القليل منه.
(٢) يعني: كيف هذه؟ أو كيف هي؟ بدون ذكر اسمها.
(٣) نقهت: أي قاربت على الشفاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>