للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جبريل عليه السّلام الذي لا يضيّع ما استحفظ عليه، لأمانته وقوته، والذي جمعه في صدر النبي صلى الله عليه وسلم هو الله القادر على كل شيء، وتدبر قول ابن عباس، - رضي الله عنهما-: (فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه) ، فقوله: (كما قرأه) ، يفيد المثلية في كل شيء، من لفظ وإعراب ووقف ووصل، ولبيان قدرة الله- سبحانه وتعالى- ننبه القارئ الكريم أن بعض سور القرآن الكريم كانت تنزل دفعة واحدة.

كما يتفرع عليه: أن من زعم أن شيئا من القرآن- مهما قلّ- تفلت من صدر النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية فقد كذّب بظاهر القرآن، لقوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ

، وقلت: (بالكلية) تحرزا مما وقع منه صلى الله عليه وسلم من نسيان آية أثناء صلاته.

الفائدة الثّالثة:

كذب من ادعى من بعض الفرق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم القرآن ويحفظه، قبل أن ينزل به جبريل عليه السّلام ويروون في ذلك حديثا منكرا، ملخصه أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من جبريل أن يستأذن ربه بكشف الستار في حال تلقيه القرآن، فلما أذن الله لجبريل بكشف الستار رأى النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يلقنه القرآن، فنزل جبريل إلى الأرض، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك: «ماذا وجدت يا جبريل؟ فقال جبريل: يا رسول الله منك وإليك» ، وقد سمعت هذا الكلام السمج يقال في المساجد وعلى المنابر في خطب الجمعة، في إحدى البلاد الإسلامية، فأين عقول الناس التي تصدق مثل هذه السخافات، الواضح فيها الكذب على الله ورسوله وأعظم ملائكته.

وكل حجة المبطلين في هذا الكذب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرك شفتيه بالقرآن ففسروا ذلك أنه كان يحفظه عن ظهر قلب قبل تلقيه من جبريل، وغضوا الطرف عما جاء في القرآن وبقية الحديث الشريف، وتفسير حبر الأمة لهذا الحديث.

وأقول لهؤلاء: اتقوا الله فيمن تدّعون حبّه، وإياكم والكذب عليه، فإن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم ليس كالكذب على غيره، ويكفي قبحا لأفعالكم وأقوالكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيردكم عن حوضه، لما يعلم ما بدلتم، بل سيكون خصمكم يوم القيامة، فضلا عما هو أعظم من ذلك، وهو غضب الرب- تبارك وتعالى- فعليكم بظاهر الكتاب الكريم وصحيح السنة الشريفة وفهم الصحابة لها، ففيها العصمة من كل شبهة، ودعوا الخرافات والخزعبلات التي تشوه هذا الدين الحنيف.

الفائدة الرّابعة:

حرص الصحابة والتابعين على نقل العلم، ونقل كل صورة توضحه، ما أمكنهم ذلك، ودليله من الحديث قول ابن عباس رضي الله عنهما: (فأنا أحركهما لكم كما كان

<<  <  ج: ص:  >  >>