١- أوضحت الآيتان أن الله- تبارك وتعالى- قد يسر وهيأ الفتح المبارك ليكون مقدمة وسببا في مغفرة ذنوب النبي صلى الله عليه وسلم
، وهي منزلة عظيمة لم ينلها أحد من العالمين غيره صلى الله عليه وسلم كما بينت من أقوال العلماء.
٢- إرادة الله- تبارك وتعالى- أن يطمئن نبيه صلى الله عليه وسلم أنه مغفور له كل شيء،
فيطمئن صلى الله عليه وسلم على ما فات من حياته المباركة- قبل النبوة وبعدها- ويسعد بما يستقبل في بقية حياته، فلا حزن على ما فات ولا خوف على ما سيأتي، وهذا يحقق غاية السعادة وراحة القلب.
[ويتفرع عليه:]
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمن الخوف من سؤال ربه- تبارك وتعالى- في الدنيا والآخرة، وليس ذلك لأنه أمن مكر الله- حاشا لله- ولكن بسبب تصديقه صلى الله عليه وسلم لخبر ربه- عز وجل-.
٣- لم تقتصر البشرى العظيمة على مغفرة الذنب كله
، بل ضم إلى ذلك إتمام النعمة والهداية إلى الطريق المستقيم. قال الإمام الطبري في معنى: وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ما نصه:
(بإظهاره إياك على عدوك ورفعة ذكرك في الدنيا وغفرانه ذنوبك في الآخرة) «١» .
[ويتفرع على هذا أمران عظيمان وهما:]
أ- أن نعم الله- عز وجل- على نبيه صلى الله عليه وسلم في الدارين
الدنيا والآخرة، وفي أمري الدين والدنيا، وفي أمره خاصة وأمر أمته: قد بلغت الغاية والمنتهى في الكمال والجمال، وهذا مقتضى قوله تعالى: وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ.
ب- كمال عصمته صلى الله عليه وسلم
، لقوله تعالى: وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً، فمن شكك في عصمته فلا يخرج أمره عن حالين، إما أن يكون مكذبا لكلام الله- عز وجل-، وإما أن يظن بالله ظنّا سيئا، حيث ظن أن هدى الله فيه الخطأ والزلل.
[الفائدة الرابعة:]
هل يعني قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أصاب شيئا يستحق معه المغفرة؟ أقول: لا، بل نجزم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقترف في حياته- قبل البعثة وبعدها- صغيرة فضلا عن كبيرة، وقد بينت ذلك في أكثر من موضع في هذا الكتاب، ولكن أقول: إن تلك المغفرة هي درجة عالية رفيعة، حتى مع كونه صلى الله عليه وسلم معصوما، وقال آخرون: مغفرة ذنبه صلى الله عليه وسلم يكون على تركه الأولى من الأمور أو فعله
(١) انظر «تفسير الطبري» ، (٢٦/ ٧١) .