للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين صيغ الجزم والتمريض، فإنه يجب على الراوي أن يوضح لهم ضعف الحديث، ولا تجزئه الرواية بصيغة التمريض لأنها لم تبين للسامع درجة الحديث فاستوى ذكرها مع عدمه.

قال الإمام النووي: (قال العلماء: ينبغي لمن أراد رواية حديث أو ذكره أن ينظر فإن كان صحيحا أو حسنا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم كذا أو فعله أو نحو ذلك من صيغ الجزم، وإن كان ضعيفا فلا يقل: قال، أو فعل، أو أمر، أو نهى وشبه ذلك من صيغ الجزم بل يقول: روى عنه كذا، أو جاء عنه كذا، أو يروى، أو يذكر، أو يحكي، أو يقال، أو بلغنا، وما أشبهه) «١» .

وللدلالة على تعظيم العلماء لرواية الأحاديث النبوية والاحتياط لعدم الكذب على النبي صلى الله عليه وسلّم، ما قاله النووي ونصه: (قال العلماء: وينبغي للراوي وقارئ الحديث إذا اشتبه عليه لفظة فقرأها على الشك أن يقول عقبه: (أو كما قال) . وأضاف مبينا شروط الرواية بالمعنى: (ويستحب لمن روى بالمعنى أن يقول بعده: (أو كما قال) أو نحو هذا كما فعلته الصحابة فمن بعدهم) «٢» . ولكن الإمام النووي اشترط للرواية بالمعنى كامل معرفة الراوي، أي كامل معرفته باللغة العربية، ومقاصد الحديث، ودلالة ألفاظه، وإلا وقع الراوي في الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلّم دون أن يدري.

[الفائدة الخامسة:]

من تقوى الله تعالى ألايروي المسلم الحديث النبوي إذا خاف أن يقع في الخطأ دون أن يشعر، مع أن الخطأ مرفوع إجماعا عن هذه الأمة، ودليله ما رواه البخاري، عن عبد الله بن الزّبير قال: قلت للزّبير: إنّي لا أسمعك تحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما يحدّث فلان وفلان!! قال: أما إنّي لم أفارقه ولكن سمعته يقول: «من كذب علي فليتبوّأ مقعده من النّار» .

فمع أن الزبير بن العوام رضي الله عنه صحابي جليل لازم النبي صلى الله عليه وسلّم كثيرا كما يذكر في الحديث ولا يخفى على أحد صلة القرابة التي تجمع بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلّم ولا شك أن هذه الملازمة والصلة أتاحت له سماع الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، ومع أنه يعلم فضل الرواية والتحديث: إلا أنه اثر عدم الإكثار من الرواية مخافة أن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلّم عن طريق الخطأ، وإلا فإن مثله يستحيل في حقه الكذب تعمدا.

أخي القارئ: بعد هذا الإسهاب في ذكر أقوال العلماء عن حديث الباب، أود أن


(١) انظر «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٧١) .
(٢) انظر «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٧٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>