للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان يستخير ويعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها، كما أنه صلى الله عليه وسلم وكل العلم ببواطن الأمور من حيث خيرها أو شرها بعلم الله للغيب. ويستثنى من ذلك، أن يكون الأمر مأمورا به العبد شرعا، فنعلم أنه خير يجب فعله، أو منهي عنه شرعا، فنعلم أنه شر يجب تركه، وفي هذين الأمرين، وهما يمثلان دائرة الأمر والنهي لا تشرع الاستخارة أبدا.

٥- يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم: «فاقدره لي» ، ومن قوله: «فاصرفني عنه» ، أن هناك محوا وإثباتا في الكتب التي مع الملائكة، ويكون الأمر بعد الإثبات والمحو موافقا لما هو في اللوح المحفوظ، والذي لا يحدث فيه تغيير أبدا إلى قيام الساعة، وقد بينت ذلك تفصيلا عند التعليق على حادثة الإسراء والمعراج.

٦- يعلمنا الحديث عظيم أمر الصلاة، وشدة قرب العبد من ربه أثناء الصلاة وبعدها، نقل ابن حجر في الفتح عن ابن أبي جمرة قوله: (الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب الملك ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة لما فيها من تعظيم الله والثناء عليه والافتقار إليه مالا وحالا) «١» .

وأقول: لو أن هناك ما هو أعظم قربة إلى الله- سبحانه وتعالى- من الصلاة لفعلها النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي دعاء الاستخارة، كما يمكن أن يقال: إنه بقدر ما يكون العبد قريبا من ربه في هذه الصلاة مستشعرا الذلة والمسكنة والتواضع والافتقار إلى ربه، بقدر ما يمكن أن يوفّق في الدعاء، وبقدر ما يكتب الله له الخير في عاقبة أمره، لأن الصلاة كانت بمثابة المقدمة والمفتاح لذلك الدعاء.

ج- حسن الثناء على الله- عز وجل-:

عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قام من اللّيل يتهجّد قال:

«اللهمّ لك الحمد، أنت قيّم السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد لك ملك السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت نور السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت ملك السّماوات والأرض، ولك الحمد، أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، ولقاؤك حقّ، وقولك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والنّبيّون حقّ، ومحمّد صلى الله عليه وسلم حقّ، والسّاعة حقّ، اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما


(١) فتح الباري (١١/ ١٨٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>