للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البعثة من رؤى صالحة اطمئنت نفسه أن ما يراه ويسمعه من وحي الله حقّ وصدق، فإذا كان الشيطان لم ينزغ به وهو نائم، فكيف ينزغ به وهو يقظان، كما أن أهله، والمقربين منه، الذين يعلمون منه الرؤيا الصالحة، إذا سمعوا منه أنه يوحى إليه من ربه كانوا أول المصادقين به، كخديجة رضي الله عنها وصاحبه أبي بكر الصديق، فقد يكون تصديق أبي بكر له من أول وهلة وبدون أدنى تردد كان بسببه علمه بالرؤيا الصالحة للرسول صلّى الله عليه وسلّم، قبل البعثة، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وبدئ بذلك ليكون تمهيدا وتوطئة لليقظة، ثم مهّد له في اليقظة أيضا رؤية الضوء وسماع الصوت وسلام الحجر) «١» . وقال الإمام النووي رحمه الله: (قال القاضي رحمه الله وغيره من العلماء: إنّما ابتدئ صلّى الله عليه وسلّم بالرّؤيا لئلّا يفجأه الملك ويأتيه صريح النّبوّة بغته فلا يحتملها قوى البشريّة فبدئ بأوّل خصال النّبوّة وتباشير الكرامة من صدق الرّؤيا) «٢» .

[مسألتان مهمتان:]

ويتفرع على الإعداد الذهني والنفسي الذي أشرت إليه مسألتان مهمتان:

[المسألة الأولى:]

يجب الإعداد الجيد ذهنيّا ونفسيّا لكل من يتولى ولاية سواء الكبرى أو الصغرى، سواء في الحياة المدنية أو العسكرية، يجب أن يعدّ إعدادا خاصّا بمعرفة العلوم التي يحتاج إليها، وإعدادا عامّا بالأخلاق والقيم التي يجب أن يتحلى بها كل من يتولى أمرا من أمور الرعية، ويدل على ذلك أن الله- عز وجل- قد هيأ نبيه للرسالة بالرؤيا الصالحة، التي كان يراها قبل البعثة، كما هيأه أيضا باشتغاله برعي الغنم، وكان ذلك له ولإخوانه من الأنبياء صلوات الله عليهم جميعا، وقد ورد في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بعث الله نبيّا إلّا رعى الغنم» ، فقال أصحابه: وأنت، فقال: «نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكّة» «٣» .

[المسألة الثانية:]

الإعداد الذهني والنفسي، يجب الاهتمام به ومراعاته، حتى في إلقاء الأخبار والأنباء العظيمة، التي قد يكذبها السامع من غرابتها، قد يؤخذ ذلك من أن رؤيا النبي عليه السّلام الصادقة، التي كانت تتحقق مثل فلق الصبح، يحتمل أنها كانت عونا لأصحابه على تصديقه في خبر الوحي، فإن قيل: من أين أخذت ذلك، قلت: أخذت ذلك من القرآن الكريم، ألم تر أن الله- عز وجل- حين ذكر معجزة عيسى عليه السّلام، التي كانت فتنة لكثير من الناس لغرابتها، ذكر قبلها قصة زكريا عليه السّلام، كيف اشتعل منه الرأس


(١) فتح الباري (١/ ٢٣) .
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (٢/ ١٩٨) .
(٣) البخاري، كتاب: الإجارة، باب: رعي الغنم على قراريط، برقم (٢٢٦٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>