وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [يوسف: ١٠١] . فقد أثبت أن الله هو الذي علمه تفسير الرؤى، بل أثبت أنها من المنن العظيمة؛ لأن يوسف عليه السّلام قد أثنى على الله بتعليمه لها، وقرنها بنعمة الملك.
وإذا كان تأويل الرؤى علما ربانيّا فلا ينبغي لأحد أبدا أن يتكلم فيه بدون دراية، كما ينبغي لمن عنده هذا العلم، أن يشكر الله كثيرا على تلك النعمة، ولا يفوتني أن أذكر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أوتي ذلك العلم، لما رواه مسلم عن سمرة بن جندب قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى الصّبح أقبل عليهم بوجهه فقال: «هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا» .
٤- ما يراه النائم على ثلاثة أضرب، رؤيا صالحة تكون بشرى للمؤمن، يراها أو ترى له، فلا يقصّها المؤمن إلا على من يحب، قال تعالى على لسان يعقوب ناصحا ابنه: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً [يوسف: ٥] .
والضرب الثاني: حلم من الشيطان، فعلى المسلم أن يتفل إذا رأى شيئا من ذلك، وينقلب على جنبه الآخر ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا يحدث بها أحدا، فإنها لن تضره بإذن الله، لما رواه البخاري، عن أبي سعيد الخدريّ أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول:«إذا رأى أحدكم رؤيا يحبّها فإنّما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدّث بها، وإذا رأى غير ذلك ممّا يكره فإنّما هي من الشّيطان فليستعذ من شرّها ولا يذكرها لأحد فإنّها لا تضرّه» .
والضرب الثالث: يرى النائم أضغاث أحلام لا معنى لها غالبا، فلا يذكر منها شيئا بعد يقظته.
٥- من الذنوب العظيمة، أن يدعي الإنسان رؤيا لم يرها، لما ورد في صحيح البخاري، عن ابن عبّاس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:«من تحلّم بحلم لم يره كلّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل»«١» .
٦- لماذا يبدأ الوحي بالرؤيا الصالحة؟ يبدأ الوحي بالرؤيا الصالحة، لتكون بمثابة إرهاصات للنبوة، وتكون إعدادا نفسيّا وذهنيّا للأنبياء، لتحمل أعباء أعظم المهام في هذه الدنيا، وهي الدعوة إلى الله- عز وجل-، يشعر بها النبي- قبل الوحي- أنه غير البشر العاديين، وأن الله- سبحانه وتعالى- سيختصه بشيء عظيم، حتى إذا جاءه الوحي لم يكن مفاجئا له، أو يظن أن ذلك توهمات من الشيطان، لأنه إذا تدبر حاله وما كان يراه قبل
(١) البخاري، كتاب: التعبير، باب: من كذب في حلمه، برقم (٧٠٤٢) .