للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انحرفت به عن الطريق وكادت أن تلقي النبي صلى الله عليه وسلم، وما ذلك إلا لسماعها صوت عذاب القبر، كما أن فيه دليلا على أن تلك الحيوانات تتأثر بما تسمع بل تتجنب مثل هذه الأصوات، ولا أقول: إن الحيوانات فقط تسمع، بل ورد في الحديث الصحيح الذي (رواه البخاري) وغيره: «ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصبح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين» «١» أي أن كل شيء يسمع ذلك إلا الإنس والجن، وبذلك يثبت السماع للجمادات والجبال والحيوانات في البر والبحر وكذا النباتات.

[الفائدة الثالثة:]

في عذاب القبر:

١- هو من الأمور الغيبية، حيث لم يسمعه ولم يره أحد من عموم هذه الأمة، ولكن أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

٢- وجوب الإيمان به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها» والإيمان بعذاب القبر يدخل في عموم الإيمان بالغيب الذي زكى الله تبارك وتعالى صاحبه بقوله: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة: ٣] .

٣- عذاب القبر أمر مادي حيث ثبت في الحديث أن له صوتا، وأخطأ من قال: إنه أمر معنوي.

٤- هو عذاب مستمر مع الكافر، فلا ينقطع عنه بعد السؤال كما لا ينقطع عنه بتحلل رفاته فيما نرى- لأن أصحاب هذه القبور التي سمع النبي صلى الله عليه وسلم عذابهم قد مر على وفاتهم سنوات.

٥- حياة البرزخ لا تقاس على الحياة الدنيا بأي وجه من الوجوه، لذلك فلا مدخل للعقل في تصور كيفيتها، فلا يعلم ما فيها إلا بالنقل، وعلى العقل والقلب التسليم المطلق، فهذا صوت العذاب في هذه الحياة الغيبية يسمعه كل أحد إلا الثقلين، ويعذب فيها صاحب القبر عذابا أليما مع أنك إذا فتشت في قبره فلن تجد إلا بقايا رفات أو لن تجد شيئا أبدا إلا الأثر.

٦- عظيم عذاب القبر، يدلك على ذلك أن الناس إذا سمعوا صوته فقط هان عليهم أن يتركوا ذويهم وأصحابهم بدون دفن، على أن يدفنوهم، مسّهم ذلك العذاب أو لم يمسهم، بالرغم من المفاسد العظيمة المترتبة على عدم الدفن. ومما يدلل أيضا على عظيم عذاب القبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منه كثيرا خاصة بعد التشهد وقبل السلام من الصلاة ويعلم أصحابه ذلك، فعن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن أبي الزّبير عن طاوس عن ابن عبّاس أنّ


(١) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب: ما جاء في عذاب القبر، برقم (١٣٧٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>