للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الضرر فلا يبلغ الله- سبحانه وتعالى- أبدا، ودليله حديث أبي ذر رضي الله عنه وفيه «يا عبادي: إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني» «١» .

[الفائدة الثالثة:]

أثبتت الآية؛ عصمة النبي صلى الله عليه وسلّم حيث توعدت كل من اذاه بالعذاب المهين، ولو أنه صلى الله عليه وسلّم فعل شيئا يتوجه إليه اللوم بسببه لقيدت الآية العذاب على من اذاه بما لم يفعل أو يقل، كما وردت الآية التي تليها، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨) [الأحزاب: ٥٨] .

[الفائدة الرابعة:]

هذه الآية يجب أن تكون رادعة ومخوفة لكل من تسول له نفسه أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلّم سواء في نفسه، أو أصحابه، أو زوجاته، أو أهل بيته، أو أتباعه إلى يوم الدين، قال الشيخ السعدي- رحمه الله-: (لما أمر تعالى بتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلّم والصلاة عليه؛ نهى عن أذيته وتوعد عليها، وهذا يشمل كل أذية قولية، أو فعلية من سب، وشتم، أو تنقص له أو لدينه، أو ما يعو عليه بالأذى) . وأضاف- رحمه الله- قائلا: (فأذية الرسول صلى الله عليه وسلّم ليست كأذية غيره؛ لأن العبد لا يؤمن بالله حتى يؤمن برسوله صلى الله عليه وسلّم وله من التعظيم الذي هو من لوازم الإيمان ما يقتضي ألايكون مثل غيره) «٢» .

٣- إفراد إيذائه بالوعيد:

إن كل من تسوّل له نفسه أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد توعده رب العزة- تبارك وتعالى بأشد أنواع العذاب؛ لأنه- سبحانه وتعالى- عاصم نبيّه وحافظه من كل سوء، فمقامه صلى الله عليه وسلّم التعظيم، وليس الإيذاء أو الانتقاص. قال- تعالى-: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [التوبة: ٦٠، ٦١] . وأوردت هذه الآية، ردّا على من قد يتوهم من الباب السابق، أن الوعيد متوجه لمن يؤذى الله ورسوله معا، فالأمر ليس كذلك. ففي الآية تخويف ووعيد لكل من يتجرأ على السنة وصاحبها صلى الله عليه وسلّم بغمز أو لمز، تصريحا كان أو تعريضا، صغيرا أو كبيرا؛ لأن الآية أطلقت، ولم تحدد نوع الإيذاء ولا حجمه، فيدخل فيه كل ما ذكر. وهذا تعظيم وحماية لجانب النبوة.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية- قدس الله روحه-: (من سب النبي صلى الله عليه وسلّم من مسلم


(١) مسلم، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، برقم (٢٥٧٧) .
(٢) انظر «تيسير الكريم الرحمن» (٦٧١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>