للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقول: إذا كان هذا هو مسلك الصحابة رضي الله عنهم في تعظيم وإجلال وتوقير امرأة أرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم لخطبتها، فكيف بالتي تزوجها النبي صلّى الله عليه وسلّم ونالت شرف الدخول بها، من المؤكد أن الأمر سيختلف كثيرا.

٤- ثناء الله- عز وجل- عليه غاية الثناء، قال تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أي أنعم الله عليه بالإسلام، فهذا يبين كمال إيمان وتمام إخلاص زيد رضي الله عنه؛ لأن الإسلام بدون إيمان وإخلاص لا يمدح العبد به، ومن أنعم الله عليه فتمّ إيمانه وحسن إسلامه فقد وجبت له الجنة.

تنبيه هام جدّا:

ذكر القرطبي وغيره من المفسرين في سبب نزول هذه الآية ما نصه:

(اختلف الناس في تأويل هذه الآية، فذهب قتادة وجماعة من المفسرين منهم الطبري وغيره إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقع منه استحسان لزينب بنت جحش وهي في عصمة زيد وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها ويشكو منها غلظة قول وعصيان أمر وأذى باللسان وتعظيما بالشرف قال له: وَاتَّقِ اللَّهَ- أي فيما تقول عنها- أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، وهو يخفي الحرص على طلاق زيد إياها، وهذا الذي كان يخفي في نفسه) . انتهى «١» .

وكأن شيخنا الجليل الشيخ السعدي قد مال لهذا التفسير، فقال في الدروس المستفادة من الآية ما نصه: (إن المحبة التي في قلب العبد لغير زوجته ومملوكته ومحارمه إذا لم يقترن بها محظور، لا يأثم عليها العبد ولو اقترن بذلك أمنيته أن لو طلقها زوجها لتزوجها من غير أن يسعى في فرقة بينهما) . انتهى «٢» .

وأقول: إذا كان كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب السنة المطهرة المعصوم من ربه- تبارك وتعالى-، فإني أرد هذا الفهم لسبب نزول هذه الآية ردّا جميلا، وأنزه مقام النبي صلّى الله عليه وسلّم أبلغ التنزيه أن يقع في قلبه حب زينب رضي الله عنها أثناء اقترانها بمحبوبه زيد بن حارثة، كيف يعقل أن يقع النبي صلّى الله عليه وسلّم في مثل هذا الأمر، وهو المزكى من ربه- سبحانه وتعالى- في كل ما أتى وترك.

ومع اعتقادي أن إبطال هذا الكلام لا يحتاج إلى برهان لكني أذكر بعض الأدلة على ما ذكرت وهي:


(١) الجامع لأحكام القرآن (١٤/ ١٨٩) .
(٢) تيسير الكريم الرحمن (٦٦٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>