للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الحرية عند أهله، ثم طاعته المطلقة وأدبه الجم مع الله ورسوله، كما سيأتي.

٢- طاعته المطلقة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وعدم شعوره بأي غضاضة من تنفيذ أي أمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد ذهب يخطب زينب- زوجته سابقا- للنبي صلّى الله عليه وسلّم، دون أدنى اعتراض أو شكوى، ورد في الحديث: (لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لزيد فاذكرها عليّ قال: فانطلق زيد حتى أتاها) . هكذا دون أدنى تردد.

٣- أدبه الجم رضي الله عنه مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، في كل ما يخصه، فقد ذهب يخطب زوجته السابقة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي عاشرها وأفضى إليها وأفضت إليه، يكلمها طوال مدة زواجه إياها بدون تكلف، وهل يتكلف أحد مع زوجته! وهل يستطيع أحد أن يحول الانبساط في الكلام وعدم التكلف في التعامل- بين عشية وضحاها- إلى إجلال وإكبار وعدم القدرة حتى إلى النظر، لا يستطيع ذلك إلا أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهيا نرى كيف عامل زيد زينب رضي الله عنها:

أ- لقد عظمت في صدره وما استطاع أن ينظر إليها- وكان ذلك قبل الحجاب- قال زيد: (فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكرها) . ذكرها ذكرا فقط ولم تتم الخطبة ولم يتزوجها بعد، قال ابن حجر في الفتح: (هابها واستجلها من أجل إرادة النبي صلّى الله عليه وسلّم تزوّجها فعاملها معاملة من تزوجها صلّى الله عليه وسلّم في الإعظام والإجلال والمهابة) . انتهى «١» .

وأقول: إنه نظر فيما يمكن أن يئول إليه أمر زينب بنت جحش- رضي الله عنها- فلو لم يجلّها ويوقّرها وأصبحت يوما زوجا للنبي صلّى الله عليه وسلّم فمن المؤكد أنه سيشعر بذنب عظيم.

ب- ولاها ظهره ونكص على عقبه، أي تأخر عنها وأعطاه ظهره، ورد في الحديث:

(فوليتها ظهري ونكصت على عقبي) ، قال ابن حجر: (لما غلب عليه الإجلال تأخر وخطبها وظهره إليها لئلا يسبقه النظر إليها) . انتهى «٢» . ومثل زيد رضي الله عنه في هذه الحادثة، كمثل رجل مضطر للوقوف بجانب النار، ولكنه يخشى أن يقع فيها أو يصيبه لفحها، فماذا يفعل؟

يتأخر عنها ويعطيها ظهره، فهم يعتقدون أن الوقوع في محارم النبي صلّى الله عليه وسلّم، كالوقوع في النار، يجب الحذر كل الحذر عند التعامل مع تلك المحارم.


(١) لم أقف عليه من قول ابن حجر، وهو من كلام النووي رحمه الله. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (٩/ ٢٢٨) .
(٢) انظر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>