٥- استحقاره رضي الله عنه لأمور الدنيا، بما في ذلك الولاية، حيث قال:(ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها) ، فلم يسمّ الولاية، كما أنه أتى بها نكرة، لزيادة التحقير.
٦- إجلاله رضي الله عنه للرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو أعظم ما في الحديث وأظهره ولكني أحببت أن أختم بها تلك المناقب لجمالها وتكون الختام المسك، ويتبين لنا مظاهر هذا الإجلال من الأمور الآتية:
أ- تقسيمه الجزأين الأولين من حياته، على أساس محبته وعدواته للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقد رأى أن أعظم ما كان منه في الجاهلية بغضه للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وفي المقابل فإن أعظم ما عنده في الإسلام، حبّه للرسول صلّى الله عليه وسلّم وهذا يدل على شدة تعظيمهم لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ب- إقراره على نفسه أنه لو مات على بغض الرسول صلّى الله عليه وسلّم لكان من أهل النار، ولو مات على مثل هذا الحب له، لكان من أهل الجنة.
ج- شدة محبته للرسول صلّى الله عليه وسلّم وأنه ما كان يحب أحدا أكثر منه، لقوله:(وما كان أحد أحب إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) .
د- إجلاله العظيم للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وعلاماته: أنه ما كان يستطيع أن ينظر إليه طويلا أو يحدّق فيه النظر، لدرجة أنه لو طلب منه أن يصفه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وما منعه من ذلك الخوف منه، ولكن ما يشعر به في قلبه من مكانة النبي صلّى الله عليه وسلّم وعظيم شأنه عند الله.
وانظر إلى قوله رضي الله عنه:(وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه) . أي أنه لا يستطيعه ولو مع المشقة البالغة.
فأين نحن- معاشر المسلمين- من إجلال نبينا كإجلال صحبه الكرام له، هل نشعر بهذا الإجلال في نفوسنا، هل نشعر به عند الحديث عنه، وذكر اسمه، هل نشعر به عند سماع أمره ونهيه، فهلا راجعنا أنفسنا، ووقفنا معها وقفة محاسبة في كل ما يخص مسلكنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم.
[الفائدة الثانية:]
فقه وأدب، الصحابي العابد، عبد الله بن عمرو بن العاص، أما فقهه، حيث إنه ذكّر أباه، رضي الله عنه، بما بشره به النبي صلّى الله عليه وسلّم ليجعله يغلب جانب الرجاء، ويحسن الظن بالله- سبحانه وتعالى- قال رضي الله عنه:(أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا) وأعاد لفظ: (بشرك) مرتين، ليستقر ذلك في قلب أبيه.
وأما أدبه فيتمثل في ندائه لأبيه بقوله:(يا أبتاه:) فهي ألطف وأحب كلمة للأب، ولو