للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبيان عظيم مكانته، وما قلته ليس من باب المبالغة في شيء، ولكن هذا فحوى ما قاله العلماء في تفسير الآية، قال الإمام ابن كثير- رحمه الله تعالى: (أمر الله عباده المؤمنين إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقدم بين ذلك صدقة تطهره وتزكيه وتؤهله؛ لأن يصلح لهذا المقام) . انتهى «١» .

وتدبر كلام ابن كثير، فإن معناه: أن مناجاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، هي مقام مخصوص، لا يستوي مع غيره من المقامات، فإنه يشترط لمن يريد الوقوف بين يديه لمناجاته، إخراج صدقة يضمن بها طهارة نفسه وتزكيتها. فانظر لهذا المستوى الذي بلغت إليه مكانة نبينا صلّى الله عليه وسلّم.

وقال الشيخ السعدي رحمه الله: (أمر الله تعالى المؤمنين بالصدقة، أمام مناجاة رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم تأديبا لهم وتعليما وتعظيما للرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإن هذا التعظيم خير للمؤمنين وأطهر أي: بذلك يكثر خيركم وأجركم وتحصل لكم الطهارة من الأدناس التي من جملتها ترك احترام الرسول صلّى الله عليه وسلّم) . انتهى «٢» .

وعليه فإن الشيخ قد جعل مجرد تعظيم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، هو خير للمؤمنين وأطهر وبه يكثر الأجر والخير.

وقد يقول القائل: كيف أمرت الآية المؤمنين بالصدقة قبل مناجاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ إظهارا لمكانته، وقد نسخت الآية، وقيل: إنه لم يعمل بها إلا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه؟.

أقول: إن الآية قد أثبتت فضل النبي صلّى الله عليه وسلّم بوجوب دفع الصدقة قبل مناجاته، وبينت أن هذا هو الخير والأطهر للمؤمنين، وكون الآية قد نسخت إلا أن الحكمة منها لم تنسخ، بل هي باقية إلى يوم القيامة، وقد استقرت ولله الحمد في نفوس الصحابة ومن تبعهم بإحسان.

١٢- رؤية الله- عز وجل- له صلّى الله عليه وسلّم:

قال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الشعراء: ٢١٧- ٢٢٠] .

[الشاهد في الآية:]

أثبتت الآية رؤية الله- عز وجل- لنبيه، وهي رؤية خاصة، المقصود بها العناية والحفظ، وليست رؤية إدراك وإحاطة، حيث إنها وردت بعد الأمر بالتوكل، وكأنها تحث عليه وترغب فيه، ولو كانت رؤية عامة، ما كان لذكرها مزية بعد الأمر بالتوكل؛ لأن الرؤية العامة تشمل الناس جميعا: متوكلين وغير متوكلين.


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٣٢٧) .
(٢) تيسير الكريم الرحمن (٨٤٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>