للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقرائن، وهي همته العالية في الدعوة وتحمله صلّى الله عليه وسلّم في سبيل ذلك كل صعب وشاق، وهذه الفائدة تعلمتها من فضيلة الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى-.

[بعض فوائد الآية الكريمة:]

[الفائدة الأولى:]

عظم ما لاقاه النبي صلّى الله عليه وسلّم في دعوته إلى الله- سبحانه وتعالى- ويتمثل ذلك في إصرار الكفار على التمسك بعقيدتهم الباطلة أشد التمسك حتى إنهم يتواصون فيما بينهم على عدم الوقوف لسماع الحق، والصبر على عبادة الأصنام، ومدافعة دعوة النبي لتوحيد الله- عز وجل-. قال الإمام القرطبي رحمه الله في قوله تعالى: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ:

(والانطلاق: الذهاب بسرعة، أي: انطلق هؤلاء الكافرون من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول بعضهم لبعض: امضوا على ما أنتم عليه ولا تدخلوا في دينه) «١» .

قلت: وعدم تقييد انطلاق الكفار من عند النبي صلّى الله عليه وسلّم هو الأولى والأجمل، الأولى: حيث لم يرد دليل على التقييد بذلك، والأجمل: لأنه يضيف معنى أتم، وهو أن انطلاق الكفار كان حسيّا ومعنويّا، فهم ينطلقون من كل مكان وفي كل زمان، يتواصون فيما بينهم بعدم اتباع النبي صلّى الله عليه وسلّم.

[الفائدة الثانية:]

في الآية إشارة وحث لأهل الحق والدعوة إلى ما يجب أن يكونوا عليه، من الصبر على الدعوة والصبر على تعنت أهل العناد والشقاء، والإيذاء في سبيل الله- سبحانه وتعالى- حيث لاقى النبي صلّى الله عليه وسلّم كل ذلك وصبر عليه، وهو لنا قدوة، بالإضافة إلى أن الكفار كان يأمر بعضهم بعضا بالصبر على عبادة الأصنام ومخالفة أمر النبي، وأهل العلم والدعوة أولى بالصبر؛ للحق الذي هم عليه، ولجزيل المثوبة والثواب من الله- سبحانه وتعالى- بل عليهم أن يتواصوا بذلك فيما بينهم، يصدق ذلك قوله تعالى: وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣) [سورة العصر: ١- ٣]

وقد زكى الكفار النبي صلّى الله عليه وسلّم في موضع آخر حيث قال تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ [سبأ: ٤٣] ، وانظر أخي القارئ إلى ما في هذه الآية من بدائع تتمثل في المسائل التالية:

المسألة الأولى: تزكية النبي صلّى الله عليه وسلّم على لسان الكفار حيث ذكروا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يريد أن


(١) الجامع لأحكام القرآن (١٥/ ١٥١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>