للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فوائد الحديث]

وفي الحديث فوائد كثيرة منها:

[الفائدة الأولى:]

ما كان يبديه الصحابة من سرعة استجابة وأدب في رد دعاء النبي، حيث رد معاذ في كل مرة بقوله: (لبيك يا رسول الله وسعديك) . ومعنى لبيك: أي طاعة لك بعد طاعة، أو أنا مقيم على طاعتك، أو إجابة بعد إجابة، ومعنى سعديك: أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة «١» . وهذا الأدب هو ما علمه الله عزّ وجلّ للصحابة في قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور: ٦٣] .

[الفائدة الثانية:]

اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بكل أحوالهم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، خاصة راوي الحديث، حيث يقول أنس: عن معاذ (ومعاذ رديفه على الرحل) . وهذا مهم جدّا في مثل هذا الحديث؛ لأن هذا القرب أوعى للسامع، وتأكدنا أنه قد ضبط الحديث ولم تشتبه عليه ألفاظه.

[الفائدة الثالثة:]

في الحديث منقبة عظيمة لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حيث نال شرف القرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما كان يفصله عنه إلا مؤخرة الرحل، كما ثبت في لفظ مسلم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أعلمه بهذا الحديث العظيم، أعظم بشارة للأمة، وهي الفائدة التالية.

[الفائدة الرابعة:]

البشارة بأن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، وفي ذلك:

١- حجة على من قال: إن أهل المعاصي في منزلة بين منزلتين، لا نحكم لهم بالإيمان، ولا نحكم عليهم بالكفر، ولكنهم مخالدون- حسب زعمهم- في النار وهذا قول المعتزلة، والحديث حجة دامغة عليهم، من حيث ربط النبي دخول الجنة بعدم الشرك، والشرك معروف من الدين بالضرورة، وهو أن تجعل لله عز وجل ندّا في صفاته أو في أفعاله، ومعلوم أنه لن يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولو كان أهل المعاصي يخالدون في النار ولا يدخلون الجنة، لقال في الحديث: (أن يعبدوه ولا يعصوه) . فيدخل في العصيان الشرك من باب أولى، ولكن لا تدخل المعاصي في الشرك أبدا، لقوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: ٤٨] . وقيل عن هذه الآية: إنها أرجى آية في كتاب الله، ويشهد بذلك ما رواه البخاري من حديث الشفاعة الطويل: (فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود) «٢» .


(١) انظر شرح النووي على صحيح مسلم (١/ ٢٣١) .
(٢) البخاري، كتاب: تفسير القرآن، باب: قول الله: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها، برقم: (٤٤٧٦) . من حديث أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>