للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج- إلزام الأمة توقيرهن:

قال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب: ٦] .

هذا الحكم من أجلّ صور تكريم وتشريف أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن جعلهن الله- تبارك وتعالى- بمنزلة أمهات المؤمنين. قال الإمام القرطبي- رحمه الله-: (شرف الله تعالى أزواج نبيه صلّى الله عليه وسلّم بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال وحجبهن- رضي الله عنهن- بخلاف الأمهات، وقيل: لما كانت شفقتهن عليهم كشفقة الأمهات أنزلن منزلة الأمهات) «١» .

كما قال الإمام ابن كثير- رحمه الله-: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام، ولكن لا تجوز الخلوة بهن ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع. انتهى «٢» .

[بعض فوائد الآية الكريمة:]

[الفائدة الأولى:]

وجوب تعظيم وإجلال وتوقير جميع أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم فلهن على أفراد الأمة مثل حقوق الأمهات، وتدبر أخي القارئ، أن الآية خلت من أداة التشبيه، فلم تقل مثلا: (وأزواجه مثل أمهاتهم) ، بل قالت وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وذلك لتوكيد أن أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم هن فعلا أمهات للمؤمنين لهن جميع حقوق الأمهات، سواء بسواء، فالأمر ليس للتشبيه أو التقريب ولكن تمام المماثلة.

ويتفرع عليه أنه يجب على كل مسلم ومسلمة أن يقارن حاله مع أمهات المؤمنين، وما ينبغي أن يكون حاله مع أمه، فإن وجد أنه يفضل أمه في شيء عن أمهات المؤمنين أو أنه يعظم أمه أكثر أو أن يقبل أن يسمع في أمهات المؤمنين ما لا يقبل أن يسمعه على أمه فليعلم أن في قلبه شيئا وأنه قد أساء الأدب مع الله ورسوله.

[الفائدة الثانية:]

مدى عناية الله- سبحانه وتعالى- بأزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإذا كان الله عز وجل قد اعتنى بمنزلة الأم لأنها حملت وولدت وأرضعت وسهرت فأمر أولادها- الذين يعدون على أصابع اليد- أن يعاملوها أحسن المعاملة وأكرمها وجعل توجيه أدنى كلمات الضجر لها من كبائر الذنوب وقرن برّها بتوحيده- سبحانه وتعالى-، فانظر كيف


(١) الجامع لأحكام القرآن (١٤/ ١٢٣) .
(٢) انظر تفسير ابن كثير (٣/ ٤٦٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>