جواز أن يذكر الرجل أخاه في غيبته، بفعل يعتقد أنه أساء به للناس، ولا يعتبر ذلك غيبة ما دام ملتزما في كلامه حدود الله وأن يكون لا يريد به طعنا في الشخص وإنما يريد به الشكاية، ونلحظ أيضا أن هذا الكلام قيل لأبيها وليس لأحد غريب عنها، قالت:(فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة) .
[الفائدة الخامسة:]
جواز أن يؤدب الرجل ابنته ولو كانت متزوجة، بل لو كان زوجها من أهل الفضل، ولا يعدّ ذلك تعديا على حق الزوج، وله أن يستخدم في التأديب، ما يؤلم قولا وفعلا، قالت:(فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصرتي) .
[الفائدة السادسة:]
قضت حكمة الله، - سبحانه وتعالى-، أن يربط نزول آيات التشريع، بأسباب ومناسبات، وهذا هو الغالب، وحديث الباب حجة في ذلك، حيث جعل الله ضياع العقد سببا لتأخر الركب مع عدم وجود الماء، لتنزل آية التيمم.
[الفائدة السابعة:]
الحث على رد الخير لأهله، والاعتراف لأهل المعروف بصنيعهم الجميل، وجواز أن ينسب الخير لمن باشره أو تحقق على يديه، لقول أسيد بن حضير:(ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر) ، وفيه نسبة الفعل إلى من كان سببا فيه، لقولهم في حق عائشة:(ألا ترى ما صنعت عائشة) ، ويتضح من تلك الفائدة، تكلف من لا ينسب أي فعل لأحد من الناس، إلا يتعقبه بقوله:(بعد الله) ، أو ما شابه ذلك، فيقول:(أرجو من الله ثم منك) ، حتى إيصال النفع أو دفع الضر عن أحد، يمكن أن ينسبه الإنسان إلى نفسه، إذا كان سببا فيه، دون أن يعلق الأمر بالله، لما رواه البخاري: عن أبي سعيد الخدريّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمّه أبو طالب فقال: «لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه»«١» ، ولم يقل: تنفعه شفاعتي بعد الله.
[الفائدة الثامنة:]
من الحكمة استخدام كل من اللين والشدة، حسب متطلب الحال، وليس من الحكمة أن يكون الرجل لينا دوما، أو شديدا في كل حال، فلكل مقام مقال، فها هو أبو بكر الصديق، الرجل الأسيف، يعنف الزوجة الحبيبة للنبي صلى الله عليه وسلم بلسانه وبيده في حال نوم النبي صلى الله عليه وسلم على فخذها، وقد بينت ذلك في أكثر من موضع، لحاجة الناس إلى هذا السلوك القويم.
(١) البخاري، كتاب: المناقب، باب: قصة أبي طالب، برقم (٣٨٨٥) .