للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- كما أثنى صلى الله عليه وسلم على أخيه داود عليه السّلام أبلغ الثناء حيث أثبت أن صلاة وقيام داود كانت هي الأحب إلى الله- سبحانه وتعالى- روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أحبّ الصّلاة إلى الله صلاة داود عليه السّلام وأحبّ الصّيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف اللّيل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ويصوم يوما ويفطر يوما» «١» .

وموطن الثناء أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أن أحدا لا يستطيع أن يتقرب إلى الله بصلاة أو صيام أفضل صورة مما كان يتقرب به نبي الله داود عليه السّلام أما موطن تواضعه صلى الله عليه وسلم في الحديث، فهو أنه حكم على نفسه أنه إذا أراد أن يتقرب إلى الله- سبحانه وتعالى- بأفضل الصيام والقيام، فعليه أن يقتدي بأخيه داود عليه السّلام أفضل الناس قياما وصياما، فلو فرض أن رجلا صام الدهر كله فلم يفطر يوما، إلا لعذر شرعي، ما عبد الله بالأفضل من صيام داود عليه السلام.

فائدة: أعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صام صيام داود عليه السّلام وهو صيام يوم وإفطار يوم، مع أنه أتقى الخلق إلى الله- عز وجل- حتى لا يشق على أمته ويحرجهم وحتى لا يجعلها سنة فيهم، كصيام الاثنين والخميس، ولكنه صلى الله عليه وسلم علّمنا كيف نحوز أجر صيام الدهر كله، روى مسلم في صحيحه، عن أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثمّ أتبعه ستّا من شوّال كان كصيام الدّهر» «٢» .

الفائدة الرّابعة:

يجب أن نتعلم أن نثني على كل من هو أهل للثناء والذكر الحسن، ولو كان ينافسنا في شيء (دين أو دنيا) وأن نوطن أنفسنا على هذا الخلق النبوي الرفيع، وأن نعاند قلوبنا وعقولنا إذا وجدنا فيهما غضاضة من ذلك، فإن لم نستطع فلنعلم أن في قلوبنا شيئا، وعندئذ فلا أقل من ألانذمهم ونغمزهم ونلمزهم، وهذا أضعف الإيمان.

وأختم فأقول: هذا طرف من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على إخوانه الأنبياء- عليهم جميعا الصلاة والسلام-، وغيره كثير.

[ثانيا: وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأزواجه]

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على أحد من نساء النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة،


(١) البخاري، كتاب: الجمعة، باب: من نام عند السحر، برقم (١١٣١) .
(٢) مسلم، كتاب: الصيام، باب: استحباب صيام ستة أيام من شوال إتباعا، برقم (١١٦٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>