للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث قال: «والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة» ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل، تحقيقا لرغبة أخيه سليمان عليه السّلام بأن يكون له ملك لا ينافسه فيه أحد من العالمين بعده، قال تعالى، ذاكرا دعوة سليمان عليه السّلام قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) [ص: ٣٥] . مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لو ربط الشيطان، لأضيف هذا إلى شمائله، معجزة عظيمة وهي تسخير الجن، ولكنه صلى الله عليه وسلم آثر أخيه سليمان على نفسه.

ب- أن الله- عز وجل- قد أجاب دعوة النبي سليمان، عليه الصلاة والسلام، في منحه ملكا لا يكون مثله لغيره، ودليل أن الدعوة قد استجيبت، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرض أن يكون له مثل ما كان لسليمان من تسخير الجن، وما كان ذلك إلا لعلمه صلى الله عليه وسلم أن سليمان ما زال يتفرد بمثل هذا الملك، وإلا ما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يشاركه فيه.

ج- شجاعته وثباته صلى الله عليه وسلم حيث لم يتحرك من مكانه، لما جاءه إبليس بشهاب من نار ليجعله في وجهه، وما زاد عن قوله: «أعوذ بالله منك» ، وقوله: «ألعنك بلعنة الله التامة» ، قالها ثلاث مرات، كما أن فيه حسن ثقته بالله- عز وجل- وأنه كافيه، ولن يمكّن الشيطان من إيذائه أو التسلط عليه، ولولا ثقته بالله، ما استعاذ صلى الله عليه وسلم به.

٢- حسن ثنائه صلى الله عليه وسلم على أخيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقد روى مسلم في صحيحه، عن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خير البريّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك إبراهيم عليه السّلام» «١» .

وهذا من عظيم تواضعه صلى الله عليه وسلم مع ما فيه من حسن الوفاء والثناء، قال النووي: (قال العلماء: قال صلى الله عليه وسلم هذا تواضعا واحتراما لإبراهيم عليه السّلام لخلته وأبوّته، وإلا فنبينا صلى الله عليه وسلم أفضل؛ لقوله: «أنا سيد ولد آدم» ، ولم يقصد به الافتخار، ولا التطاول على من تقدمه بل قاله بيانا لما أمر ببيانه وتبليغه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ولا فخر» . لينفي ما قد يتطرق إلى بعض الأفهام السخيفة، وقيل: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال: إبراهيم خير البرية قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم، وقيل: إنه أراد خير البرية في عصره، ولكنه صلى الله عليه وسلم أطلق العبارة الموهمة للعموم لأنه أبلغ في التواضع) «٢» .


(١) مسلم، كتاب: الفضائل، باب: من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم، برقم (٢٣٦٩) .
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (١٥/ ١٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>