للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالكلية من قلبه، ودليله أن الله- سبحانه وتعالى- قد تكفل بحفظ القرآن في قلبه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ

. ولكن هو النسيان الذي يعتري الحافظ، فإذا ذكّره أحد بالآية ذكرها على الفور، أو قد ينساها في قراءته اليوم، ويتذكرها في قراءته من الغد دون أن يذكره أحد.

قال الإمام النووي في شرح مسلم: (فيه دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم فيما قد بلّغه إلى الأمة) ، وقال القاضي عياض: (جمهور المحققين على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم ابتداء فيما ليس طريقه البلاغ، واختلفوا فيما طريقه البلاغ والتعليم ولكن من جوز قال: لا يقرّ عليه بل لا بد أن يتذكره أو يذكّره) «١» ، أي أنه لا بد أن يتذكره بنفسه أو يذكره الله به.

[الفائدة الثانية:]

جواز أن يقول المسلم إذا نسي آية من كتاب الله: «أنسيتها» ، لما ورد في إحدى روايات الحديث عند مسلم «كنت أنسيتها» وإنما يكره قول: (نسيتها) ، لأن اللفظ الأخير يشعر بالتقصير والإهمال في مراجعة القرآن الكريم، وآيات القرآن شاهدة على الفارق بين اللفظين، فلما وقع النسيان من قبل فتى موسى من غير تقصير ولا إهمال، قال تعالى على لسان الفتى: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف: ٦] ، ولما وقع النسيان من الكافر عن تقصير وإهمال، قال تعالى: قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى [طه: ١٢] .

الفائدة الثّالثة:

الزيادة التي وردت في الحديث من رواية عباد بن عبد الله بن الزبير، وهو تابعي، تدل على أن الصحابي عباد بن بشر، هو الذي ذكرّ النبي صلى الله عليه وسلم بالآيات التي أسقطهن.

الفائدة الرّابعة:

ما يعتقده البعض أن الدعاء بالرحمة لا يكون إلا للميت هو اعتقاد خاطئ، لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعباد بن بشر بقوله «اللهم ارحم عبادا» ويجب علينا أن نستخدم هذا الدعاء للأحياء كما نستخدمه للأموات سواء بسواء، إحياء للسنة، ولإبطال هذا المفهوم الخاطئ.

[الفائدة الخامسة:]

ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حب نفع أصحابه ورد الجميل لمن أسدى له معروفا ولو لم يكن يقصد المسدي هذا المعروف، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد دعا لعبّاد بالرحمة، مع أن عبادا لم يقصد أن يذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم ببعض الآيات، إنما كان يتهجد في المسجد بتلك الآيات.


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (٦/ ٧٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>